ليت الغراب غداة ينعب دائبا * كان الغراب مقطع الأوداج وأنه إظهار الاسم الذي حظه الكناية عنه. والامر في ذلك بخلاف ما قال وذلك أن الغراب الثاني لو كان مكني عنه لما التبس على أحد يعقل كلام العرب أنه كناية اسم الغراب الأول، إذ كان لا شئ قبله يحتمل الكلام أن يوجه إليه غير كناية اسم الغراب الأول وأن قبل قوله: (فان الله عدو للكافرين) أسماء لو جاء اسم الله تعالى ذكره مكنيا عنه لم يعلم من المقصود إليه بكناية الاسم إلا بتوقيف من حجة، فلذلك اختلف أمراهما. القول في تأويل قوله تعالى:
* (ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون) * يعني جل ثناؤه بقوله: ولقد أنزلنا إليك آيات أي أنزلنا إليك يا محمد علامات واضحات دالات على نبوتك. وتلك الآيات هي ما حواه كتاب الله الذي أنزله إلى محمد (ص) من خفايا علوم اليهود ومكنون سرائر أخبارهم وأخبار أوائلهم من بني إسرائيل، والنبأ عما تضمنته كتبهم التي لم يكن يعلمها إلا أحبارهم وعلماؤهم، وما حرفه أوائلهم وأواخرهم وبدلوه من أحكامهم، التي كانت في التوراة، فأطلعها الله في كتابه الذي أنزله على نبيه محمد (ص). فكان في ذلك من أمره الآيات البينات لمن أنصف نفسه ولم يدعه إلى إهلاكها الحسد والبغي، إذ كان في فطرة كل ذي فطرة صحيحة تصديق من أتى بمثل الذي أتى به محمد (ص) من الآيات البينات التي وصفت من غير تعلم تعلمه من بشر ولا أخذ شئ منه عن آدمي. وبنحو الذي قلنا في ذلك روي الخبر عن ابن عباس.
1358 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: ولقد أنزلنا إليك آيات بينات يقول: فأنت تتلوه عليهم وتخبرهم به غدوة وعشية وبين ذلك، وأنت عندهم أمي لم تقرأ كتابا، وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه. يقول الله: ففي ذلك لهم عبرة وبيان وعليهم حجة لو كانوا يعلمون.