ثم عاد الطبري إلى بغداد ودرس بها فقه الشافعي وعلوم القرآن. ومنها رحل إلى مصر سنة 253 ه، فلم تطل إقامته فيها، وعاد إلى الشام، ثم دخل مصر سنة 256 ه، وأخذ في الرحلتين عن جماعة من شيوخها منهم، يونس بن عبد الأعلى (1) والربيع بن سليمان (2) وإسماعيل بن يحيى المزني (3) وغيرهم.
واتفق أن جمعت الرحلة إلى مصر بين محمد بن جرير الطبري، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة (4) ومحمد بن نصر المروزي (5) ومحمد بن هارون الروياني (6)، قال الخطيب البغدادي: " فأرملوا ولم يبق عندهم ما يقوتهم، وأضر بهم الجوع، فاجتمعوا ليلة في منزل كانوا يأوون إليه، فاتفق رأيهم على أن يستهموا ويضربوا القرعة، فمن خرجت عليه سأل لأصحابه الطعام، فخرجت القرعة على محمد بن إسحاق بن خزيمة، فقال لأصحابه: أمهلوني حتى أتوضأ وأصلي صلاة الخيرة.
واندفع في الصلاة فإذا هم بالشموع، وخصي من قبل والي مصر يدق الباب، ففتحوا، فنزل عن دابته، وقال: أيكم محمد بن نصر؟ فقيل: هو هذا، فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه، ثم قال: أيكم محمد بن جرير؟ فقالوا: هو ذا، فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه، ثم قال:
أيكم محمد بن هارون؟ فقالوا: هو ذا، فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه، ثم قال: أيكم محمد بن إسحاق بن خزيمة؟ فقالوا: هو ذا يصلي، فلما فرغ دفع إليه الصرة وفيها خمسون دينارا، ثم قال: إن الأمير كان قائلا بالأمس، فرأى في المنام خيالا، قال:
إن المحامد طووا كشحهم جياعا، فأنفذ إليكم هذه الصرار، وأقسم عليكم إذا نفذت فابعثوا إلي أمدكم ".
وعاد أبو جعفر إلى بغداد بعد رحلة طويلة، ومنها توجه إلى طبرستان، ثم رجع إلى بغداد وانقطع للدرس والتأليف إلى أن مات يوم السبت بالعشي، ودفن يوم الأحد بالغداة، في داره لأربع بقين من شوال سنة عشر وثلاثمائة. وقيل: توفي في المغرب من عشية