فأما قبل ذلك، فمستحيل أمره بتدبره، وهو بمعناه جاهل. كما محال أن يقال لبعض أصناف الأمم الذين لا يعقلون كلام العرب ولا يفهمونه، لو أنشدت قصيدة شعر من أشعار بعض العرب، ذات أمثال مواعظ وحكم: اعتبر بما فيها من الأمثال وادكر بما فيها من المواعظ! إلا بمعنى الامر لها يفهم كلام العرب ومعرفته، ثم الاعتبار بما نبهها عليه ما فيها من الحكم، فأما وهي جاهلة بمعاني ما فيها من الكلام والمنطق، فمحال أمرها بما دلت عليه معاني ما حوته من الأمثال والعبر. وسواء أمرها بذلك، وأمر بعض البهائم به، إلا بعد العلم بمعاني المنطق والبيان الذي فيها.
فكذلك ما في آي كتاب الله، من العبر والحكم والأمثال والمواعظ، ولا يجوز أن يقال اعتبر بها، إلا لمن كان بمعاني بيانه عالما، وبكلام العرب عارفا، وإلا بمعنى الامر - لمن كان بذلك منه جاهلا - أن يعلم معاني كلام العرب، ثم يتدبره بعد، ويتعظ بحكمه وصنوف عبره.
فإذا كان ذلك كذلك، وكان الله جل ثناؤه قد أمر عباده بتدبره وحثهم على الاعتبار بأمثاله، كان معلوما أنه لم يأمر بذلك من كان بما يدل عليه آية (1) جاهلا.
وإذا لم يجز أن يأمرهم بذلك إلا وهم بما يدلهم عليه عالمون، صح أنهم بتأويل ما لم يحجب عنهم علمه من آية الذي استأثر الله بعلمه منه دون خلقه، الذي قد قدمنا صفته آنفا، عارفون. وإذا صح ذلك، فسد قول من أنكر تفسير المفسرين - من كتاب الله وتنزيله - ما لم يحجب عن خلقه تأويله.
ذكر بعض الاخبار التي غلط في تأويلها منكروا القول في تأويل القرآن فإن قال لنا قائل: فما أنت قائل، فيما:
74 - حدثكم به العباس بن عبد العظيم، قال: حدثنا محمد بن خالد بن عثمة، قال: حدثني جعفر بن محمد الزبيري، قال: هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: ما كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يفسر شيئا من القرآن إلا آيا تعد، علمهن إياه جبريل.
* - حدثنا محمد بن يزيد الطرسوسي، قال: أخبرنا معن، عن جعفر (2) بن خالد،