قتادة، قال: لما ذكر الله العنكبوت والذباب، قال المشركون: ما بال العنكبوت والذباب يذكران؟ فأنزل الله: إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها.
وقد ذهب كل قائل ممن ذكرنا قوله في هذه الآية وفي المعنى الذي نزلت فيه مذهبا، غير أن أولى ذلك بالصواب وأشبهه بالحق ما ذكرنا من قول ابن مسعود وابن عباس. وذلك أن الله جل ذكره أخبر عباده أنه لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها عقيب أمثال قد تقدمت في هذه السورة ضربها للمنافقين دون الأمثال التي ضربها في سائر السور غيرها.
فلان يكون هذا القول، أعني قوله: إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما جوابا لنكير الكفار والمنافقين ما ضرب لهم من الأمثال في هذه السورة أحق وأولى من أن يكون ذلك جوابا لنكيرهم ما ضرب لهم من الأمثال في غيرها من السور.
فإن قال قائل: إنما أوجب أن يكون ذلك جوابا لنكيرهم ما ضرب من الأمثال في سائر السور لان الأمثال التي ضربها الله لهم ولآلهتهم في سائر السور أمثال موافقة المعنى، لما أخبر عنه أنه لا يستحي أن يضربه مثلا، إذا كان بعضها تمثيلا لآلهتهم بالعنكبوت وبعضها تشبيها لها في الضعف والمهانة بالذباب، وليس ذكر شئ من ذلك بموجود في هذه السورة فيجوز أن يقال: إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما فإن ذلك بخلاف ما ظن، وذلك أن قول الله جل ثناؤه: إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها إنما هو خبر منه جل ذكره أنه لا يستحيي أن يضرب في الحق من الأمثال صغيرها وكبيرها ابتلاء بذلك عباده واختبارا منه لهم ليميز به أهل الايمان والتصديق به من أهل الضلال والكفر به، إضلالا منه به لقوم وهداية منه به لآخرين كما:
حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: مثلا ما بعوضة يعني الأمثال صغيرها وكبيرها، يؤمن بها المؤمنون، ويعلمون أنها الحق من ربهم، ويهديهم الله بها، ويضل بها الفاسقين. يقول:
يعرفه المؤمنون فيؤمنون به، ويعرفه الفاسقون فيكفرون به.
وحدثني المثنى، قال حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بمثله.
وحدثني القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله.