يذكرها القرآن، وإذا كان هذا حالهم فكيف يطلب القرآن منهم الاعتراف به؟
الثاني: في الآية السابقة كان الكلام عن اعتراف المشركين وإقرارهم، إلا أن هذه الآية تأمر النبي أن يقر هو بهذه الحقيقة، فلماذا هذا الاختلاف في التعبير؟
إلا أن الانتباه إلى مسأله يوضح جواب كلا السؤالين، وهي: إن المشركين بالرغم من عدم اعتقادهم بالمعاد الجسماني، إلا أن ذلك القدر الذي آمنوا به من أن بداية الخلق كانت من الله كاف لتقبل المعاد والاعتقاد به، لأن كل من عمل عملا في البداية قادر على إعادته، وبناء على هذا فإن الاعتقاد بالمبدأ إذا ما اقترن بشئ من الدقة كاف لإثبات المعاد. ومن هنا يتضح لماذا أقر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الحقيقة بدلا من المشركين، فإنه بالرغم من كون الإيمان بالمعاد من لوازم الإيمان بالمبدأ، إلا أن هؤلاء لما لم يتوجهوا إلى هذه الملازمة، اختلف طراز التعبير وأقر النبي مكانهم.
ثم تأمر الآية الأخرى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مرة أخرى: قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق لأن المعبود يجب أن يكون هاديا ومرشدا لعبادة، خاصة وأنها هداية نحو الحق، في حين أن آلهة المشركين، أعم من الجمادات أو الاحياء، غير قادرة أن تهدي أحدا إلى الحق بدون الهداية الإلهية، لأن الهداية إلى الحق تحتاج إلى منزلة العصمة والصيانة من الخطأ والاشتباه، وهذا لا يمكن من دون هداية الله سبحانه وتسديده، ولذلك فإنها تضيف مباشرة: قل الله يهدي للحق وإذا كان الحال كذلك أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم لا يهدي إلا أن يهدى (1).
وتقول الآية في النهاية بلهجة التوبيخ والتقريع والملامة: فما لكم كيف تحكمون.
وفي آخر آية إشارة إلى المصدر الأساس والعامل الأصل لهذه الانحرافات وهو الأوهام والظنون وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق