الخلقة، فتقول: ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي وهذا هو نفس الموضوع الذي حير عقول علماء الطبيعية وعلماء الاحياء، وهو كيف أتى الموجود الحي إلى الوجود من موجود ميت؟ فهل إن مثل هذه المسألة - التي لم تفلح جهود ومساعي العلماء الحثيثة إلى الآن في كشف أسرارها - أمرا بسيطا ومرتبطا بالصدفة وبدون برنامج وهدف؟ لا شك أن من وراء ظاهرة الحياة المعقدة والظريفة والمليئة بالأسرار علم وقدرة خارقة وعقل كلي.
إنه لم يخلق الكائن الحي في البداية من الموجودات الأرضية الميتة وحسب، بل إنه قرر عدم خلود الحياة، ولهذا خلق الموت في قلب الحياة ليفسح المجال عن هذا الطريق لتغير الأحوال والتكامل.
ويحتمل - أيضا - في تفسير هذه الآية أنها تشمل الموت والحياة المعنويين إضافة إلى الموت والحياة الماديين، لأننا نرى أناسا عقلاء طاهرين ورعين مؤمنين يولدون أحيانا من أبوين ملوثين منحرفين لا إيمان لهما، ويلاحظ أيضا عكس ذلك حيث يأتي إلى الوجود إناسا تافهون لاقيمة لهم من أبوين فاضلين (1).
خلافا لقانون الوراثة.
طبعا، لا يوجد مانع من أن تكون الآية أعلاه إلى كلا القسمين، لأن كليهما من عجائب الخلقة ومن الظواهر العجيبة في العالم، وهما موضحان لهذه الحقيقة، وهي أن لقدرة الخالق العالم الحكيم دخلا في هذه الأمور إضافة إلى الأمور الطبيعية.
وقد أعطينا توضيحات أخرى حول هذا الموضوع في المجلد الخامس ذيل الآية (95) من سورة الأنعام.
ثم تضيف الآية: ومن يدبر الأمر، والكلام في الواقع بدأ عن خلق المواهب، ثم عن حافظها وحارسها ومدبرها. وبعد أن يطرح القرآن الكريم هذه