فقال: الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين.
وقد قرأنا سابقا في الآية (18) من سورة النساء: وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولهذا فإن كثير من الناس ما أن تستقر بهم الحال وينجون من الموت يعودون إلى أوضاعهم وأعمالهم السابقة. ونظير هذا التعبير الذي ورد أعلاه جاء أيضا في اشعار وكلمات الأدباء العرب والعجم، مثل:
أتت وحياض الموت بيني وبينها * وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل لكن فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية آية للحكام المستكبرين ولكل الظالمين والمفسدين، وآية للفئات المستضعفة.
هناك بحث بين المفسرين المراد من البدن هنا، فأكثرهم يرى بأن المراد هو جسد فرعون الذي فارقته الروح، لأن عظمة فرعون في أفكار الناس في ذلك المحيط بلغت حدا بحيث أن الكثير لولا ذلك لم يكن يصدق أن فرعون يمكن أن يغرق، وكان من الممكن أن تنسج الأساطير والخرافات الكاذبة حول نجاة وحياة فرعون بعد هذه الحادثة، لذلك ألقى الله سبحانه جسده خارج الماء.
اللطيف هنا، أن البدن في اللغة - كما قال الراغب في مفرداته - يعني الجسد العظيم - وهذا يدلنا على أن فرعون كان عظيم الهيكل ممتلئ الجسم كما هو الحال في الكثير من أهل الترف والرفاه الدنيوي!
إلا أن البعض الآخر قالوا: إن أحد معاني البدن هو الدرع، وهذا إشارة إلى أن الله سبحانه قد أخرج فرعون من الماء بدرعه الذهبي الذي كان على بدنه ليعرف عن طريقه، ولا يبقى أي مجال للشك في أنه فرعون.
هذه النقطة أيضا تستحق الانتباه، وهي أنهم استفادوا من جملة " ننجيك " أن الله سبحانه قد أمر الأمواج أن تلقي بدنه على مكان مرتفع عن الساحل لأن مادة " النجوة " تعني المكان المرتفع والأرض العالية.