موجودات لا يمكن اختراقها، غاية ما في الأمر أن القرآن الكريم يبين هذا الموضوع بهذا التعبير: إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون.
وحتى إذا جاءتهم كل الآيات والدلالات فإنهم لا يؤمنون: ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ولا أثر لإيمانهم في ذلك الوقت.
إن الآيات الأولى من الآيات مورد البحث تدعو عامة الناس إلى المطالعة والتحقيق والسؤال من أهل العلم، ثم طلبت منهم أن ينصروا الحق ويدافعوا عنه بعد أن اتضح لهم. إلا أن الآيات الأخيرة تقول: لا تتوقع أن يؤمن كل هؤلاء، لأن البعض قد فسد قلبه بحيث لا يمكن إصلاحه، فلا يثبطك عدم ايمانهم عن مواصلة الطريق. ولا تتعب نفسك في سبيل هدايتهم، بل توجه إلى الأكثرية من الناس ممن لهم أهلية الهداية.
وكما كررنا مرارا، فإن التعبيرات التي تشابه هذه الآية السابقة ليست دليلا على الجبر أبدا، بل هي من قبيل ذكر آثار عمل الإنسان، لكن لما كان أثر كل شئ بأمر الله، فإن هذه الأمور تنسب إلى الله أحيانا.
ويبدو أن ذكر هذه النقطة مهم أيضا، وهي أننا قرأنا في بعض الآيات السابقة في شأن فرعون أنه قد أظهر الإيمان بعد نزول العذاب والوقوع في قبضة الطوفان، إلا أن مثل هذا الإيمان لما كان يتصف بالاضطرار لم ينفعه. إلا أن هذه الآيات تقول إن هذا لم يكن أسلوب وطريق فرعون وحده، بل هو طريق كل العنودين الأنانيين المستكبرين المسودة قلوبهم الذين وصلوا إلى قمة الطغيان ولديهم نفس هذه الحالة، فإن هؤلاء أيضا لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم، ذلك الإيمان العديم الأثر بالنسبة لهؤلاء.
* * *