المؤمنون.
إلا أنه، وكما قلنا، فإن إطلاق هذه الكلمة، وألف لام الجنس في البشرى قد أخفيا فيها مفهوما واسعا بحيث أنها تشمل كل نوع من البشارة وفرحة الانتصار والموفقية، ويندرج فيها كل ما ذكر أعلاه، وفي الواقع فإن كلا منها إشارة إلى زاوية من هذه البشارة الإلهية الواسعة.
وربما كان ما فسرت به البشرى في بعض الروايات بأنها المنامات الحسنة والرؤيا الصالحة إشارة إلى أن كل البشارات حتى الصغيرة منها، تدخل أيضا في مفهوم البشرى، لا أنها منحصرة بها.
الواقع. وكما قيل سابقا أيضا، فإن هذا هو الأثر التكويني والطبيعي للإيمان والتقوى حيث تبتعد عن روح الإنسان أشكال الاضطراب والقلق المتولدة من الشك والتردد، وكذلك المتولدة من الذنب والتلوث والفجور، فكيف يمكن أن يشعر بالراحة والاطمئنان من لا إيمان له، ومن ليس له متكأ معنوي يعتمد عليه في أعماق روحه؟!
إنه يبقى في سفينة وسط بحر هائج متلاطم الأمواج تقذف به الأمواج العظيمة في كل جانب وصوب وقد فتحت دوامات البحر أفواهها لابتلاعه!!
كيف يمكن أن يهدأ بال ويطمئن خاطر من تلطخت يداه بالظلم والجور وإراقة دماء الناس وغصب أموال وحقوق الآخرين؟ إنه - وبخلاف المؤمنين - لا يتمتع حتى بالنوم الهادئ، وغالبا ما يرى المنامات المرعبة التي يرى نفسه فيها مشتبكا مع العدو، وهذا بنفسه دليل على اضطراب روح هؤلاء.
من الطبيعي أن الشخص الجاني - خاصة إذا كان مطاردا - يرى في عالم الرؤيا أشباحا مرعبة قد أحكمت الطوق لإلقاء القبض عليه، أو أن روح ذلك المقتول المظلوم تصرخ في أعماق ضميره وتعذبه، ولهذا فإنه عندما يستيقظ يقول كيزيد:
مالي وللحسين؟ أو يقول ما قاله الحجاج: مالي ولسعيد بن جبير؟!