فتقول أولا: إننا جاوزنا ببني إسرائيل البحر - وهو نهر النيل العظيم أطلق عليه اسم البحر لعظمته - أثناء مواجهتهم للفراعنة، وعندما كانوا تحت ضغط ومطاردة هؤلاء: وجاوزنا ببني إسرائيل البحر إلا أن فرعون وجنوده طاردوا هؤلاء من أجل القضاء على بني إسرائيل: فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا.
" البغي " يعني الظلم، " والعدو " بمعنى التعدي، أي إن هؤلاء إنما طاردوهم وتعقبوهم لغرض الظلم والتعدي عليهم، أي على بني إسرائيل.
جملة " فأتبعهم " توحي بأن فرعون وجنوده قد تتبعوا بني إسرائيل طوعا، وتؤيد بعض الروايات هذا المعنى، والبعض الآخر تخالف هذا المعنى، إلا أن ما يفهم ويستفاد من ظاهر الآية هو الحجة على كل حال.
أما كيفية عبور بني إسرائيل للبحر، وأي إعجاز وقع في ذلك الحين، فإن شرح ذلك سيأتي في ذيل الآية (63) من سورة الشعراء، إن شاء الله تعالى.
على كل حال، فإن هذه الأحداث قد استمرت حتى أوشك فرعون على الغرق، وأصبح كالقشة تتقاذفه الأمواج وتلهو به، فعندذاك زالت حجب الغرور والجهل من أمام عينه، وسطع نور التوحيد الفطري وصدع بالإيمان: حتى إذ أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل فلست مؤمنا بقلبي فقط، بل إني من المسلمين عمليا: وأنا من المسلمين.
ولما تحققت تنبؤات موسى (عليه السلام) الواحدة تلو الأخرى وأدرك فرعون صدق هذا النبي الكبير أكثر فأكثر وشاهد قدرته وقوته، اضطر إلى إظهار الإيمان على أمل أن ينقذه رب بني إسرائيل كما أنجاهم من هذه الأمواج المتلاطمة ولذلك يقول: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل!
إلا أن من البديهي أن مثل هذا الإيمان الذي يتجلى عند نزول البلاء ونشوب أظفار الموت، إيمان اضطراري يتشبث به كل جان ومجرم ومذنب وليست له أية قيمة، أو يكون دليلا على حسن نيته أو صدق قوله، ولهذا فإن الله سبحانه خاطبه