القدرة بتنفيذ الطلب الثاني وقال: إني لا أستطيع أن أغيره من تلقاء نفسي، وبهذا البيان يكون قد نفى الطلب الأول بطريق أولى، لأن تغيير بعض الآيات إذا كان خارجا عن حدود صلاحية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهل بامكانه تبديل كل هذا الكتاب السماوي؟
إن هذا نوع من الفصاحة في التعبير، حيث أن القرآن الكريم يعيد ويكرر كل المسائل في غاية الضغط والاختصار في العبارة، بدون جملة أو كلمة زائدة إضافية.
3 - يمكن أن يقال: إن الدليل المذكور في الآيات - أعلاه - على أن القرآن ليس من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنه حتما من الله سبحانه، ليس مقنعا. فما هو وجه الملازمة في أن هذا الكتاب إذا كان من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلابد أن يكون قد سمعت منه نماذج ومقاطع من قبل؟
إلا أن جواب هذا السؤال واضح بأدنى دقة وتأمل، لأن النبوغ الفكري وقدرة و الاكتشاف والإبداع في الإنسان - حسب ما قاله علماء النفس - يبدأ من سن العشرين ويصل كحد أقصى إلى سن الخامسة والثلاثين أو الأربعين، أي إن الإنسان إذا لم يقدم حتى ذلك الوقت على إبداع وابتكار عمل جديد، فلا يمكنه بعد هذا السن غالبا.
إن هذا الموضوع الذي يعتبر اليوم كشفا نفسيا لم يكن في الماضي واضحا إلى هذا الحد، إلا أن أغلب الناس يعلمون هذا الموضوع بهداية الفطرة، بأن من غير الممكن أن يكون للإنسان معتقد ويعيش بين قوم، ولا يظهر ذلك مطلقا. والقرآن الكريم قد استند أيضا إلى هذا الأساس وهو: كيف يستطيع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى هذا العمر أن يمتلك مثل هذه الأفكار ويكتمها إلى ذلك الوقت؟
4 - كما أشرنا في ذيل الآية (21) من سورة الأنعام، فإن القرآن قد عرف في موارد كثيرة جماعة من الناس بأنهم " أظلم " وربما يبدو لأول وهلة أن هناك