من الله ورضوان خير أم من أسس على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم.
" بنيان " مصدر بمعنى اسم مفعول، ويعني المبنى، و (شفا) بمعنى حافة الشئ وطرفه، و (جرف) بمعنى حافة النهر أو حافة البئر التي جرف الماء ما تحتها. و (هار) بمعنى الشخص أو البناء المتصدع المشرف على السقوط، أو هو في حال السقوط.
إن التشبيه الوارد أعلاه يعطي صورة في منتهى الوضوح عن عدم ثبات أعمال المنافقين وتزلزلها، وفي المقابل استحكام ودوام أعمال المؤمنين ونشاطاتهم وبرامجهم، فهو يشبه المؤمنين بمن أراد أن يبني بناء، فإنه ينتخب الأرض الجيدة القوية التي تتحمل البناء، ومختار من مواد البناء الأولية ما كان جيدا.
أما المنافقون فإنه يشبههم بمن يبني بيته على حافة النهر - ومثل هذه الأرض جوفاء - لأن جريان الماء قد نخرها، وبالتالي فهي عرضة للسقوط في أي لحظة، وكذلك النفاق، فإن ظاهره حسن لكنه عديم المحتوى كالبناية الجميلة ذات الأساس النخر.
إن هذه البناية يمكن أن تنهار في آية لحظة، ومذهب أهل النفاق أيضا يمكن أن يظهر واقع أتباعه وباطنهم، وبالتالي فضيحتهم وخزيهم.
إن التقوى والسعي في مرضاة الله تبارك وتعالى يعني التعامل مع الواقع، والسير وفقا لقوانين الخلقة وهي بدون شك عامل البقاء والثبات.
أما النفاق فإنه يعني الانفصال عن الواقع والابتعاد عن قوانين الوجود، وهذا بلا شك هو عامل الزوال والفناء.
ومن هنا، فإن المنافقين يظلمون أنفسهم ويظلمون المجتمع أيضا ولذلك فإن الآية اختتمت بقوله: والله لا يهدي القوم الظالمين. وكما قلنا مرارا، فإن الهداية الإلهية تعني تهيئة المقدمات للوصول إلى الغاية، وهي تشمل - فقط - أولئك الذين لديهم الاستعداد لتقبل هذه الهداية ويستحقونها، أما الظالمون الفاقدون لمثل هذا الاستعداد فسوف لا يشملهم هذا اللطف مطلقا، لأن الله حكيم،