يتبع كلهم بدل أكثرهم، لأنا نعلم أن جميع المشركين شركاء في هذا الظن الباطل، حيث يعتقدون أن الأصنام آلهة بحق وتملك النفع والضرر وتشفع عند الله، ولهذا فإن البعض اضطر إلى تفسير كلمة " أكثرهم " بأنها تعني " جميعهم "، وذهب أن هذه الكلمة جاءت أحيانا بهذا المعنى.
إلا أن هذا الجواب غير وجيه، والأفضل أن نقول: إن المشركين صنفان: صنف يشكل الأكثرية، وهم الأفراد الخرافيون الجهلاء الذين وقعوا تحت تأثير الأفكار الخاطئة، واختاروا الأصنام لعبادتها.
أما القسم الثاني، وهم الأقلية، فهم الزعماء وأئمة الكفر الواعون لحقيقة الأمر والمطلعون على عدم صحة عبادة الأصنام وأنها لا أساس لها، وإلا أنهم يدعون الناس لعبادتها حفظا لمصالحهم، ولهذا السبب فإن الله يجيب الصنف الأول فقط لأنهم مؤهلين للهداية، أما الصنف الثاني فلم يعبأ بهم مطلقا لأنهم سلكوا هذا الطريق عن علم ووعي.
4 - يعتبر جماعة من علماء الأصول هذه الآية وأمثالها دليلا على أن الظن لا يمكن أن يكون حجة وسندا بأي وجه من الوجوه، وأن الأدلة القطعية هي الوحيدة التي يمكن الاعتماد عليها.
إلا أن جماعة أخرى يقولون: إننا نلاحظ بين الأدلة الفقهية أدلة ظنية كثيرة، كحجية ظواهر الألفاظ، وشهادة الشاهدين العدلين، أو خبر الواحد الثقة وأمثال ذلك، ولذلك فإن الآية المذكورة دليل على أن القاعدة الأصلية في مسألة الظن هي عدم حجيته، إلا أن تثبت حجيته بالدليل القطعي كالأمثلة أعلاه.
إلا أن الحق هو أن الآية أعلاه تتحدث عن الظنون والأوهام التي لا أساس لها، كظنون وأوهام عبدة الأصنام فقط، ولا علاقة لها بالظن الذي يمكن الاعتماد عليه والموجود بين العقلاء، وبناء على هذا فإن هذه الآية وأمثالها لا يمكن الاستناد إليها بأي وجه في مسألة عدم حجية الظن. فتدبر جيدا.
* * *