مقدار بقائهم في الدنيا، أي إنهم يحسون أن أعمارهم كانت قصيرة إلى الحد الذي يكفي لالتقاء شخصين وتعارفهما ثم تفرقهما!.
وقد احتمل أيضا - في تفسير هذه الآية - أن المقصود هو الإحساس بقصر الزمان بالنسبة لحياة البرزخ، أي إن هؤلاء يعيشون في فترة البرزخ حالة شبيهة بالنوم بحيث لا يشعرون بمرور السنين والقرون والأعصار، ويظنون في القيامة أن مرحلة برزخهم التي استغرغت آلاف أو عشرات الآلاف من السنين، لم تكن إلا ساعة. والشاهد على هذا التفسير الآيتان (55) - (56) من سورة الروم، اللتان تقولان: ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون. وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون.
يستفاد من هاتين الآيتين أن مجموعة من المجرمين يقسمون في القيامة أن فترة برزخهم لم تكن أكثر من ساعة، إلا أن المؤمنين يقولون لهم: إن المدة كانت طويلة، والآن قد قامت القيامة وأنتم لا تعلمون. ونحن نعلم أن البرزخ ليس متساويا بالنسبة للجميع، وسنذكر تفصيل ذلك في ذيل الآيات المناسبة.
وبناء على هذا التفسير، فإن معنى جملة يتعارفون بينهم سيكون: إن هؤلاء يحسون بأن زمان البرزخ كان قصيرا بحيث أنهم لم ينسوا أي أمر من أمور الدنيا، ويعرف بعضهم البعض الآخر جيدا. أو أن كلا منهم يرى أعمال الآخرين القبيحة هناك، ويطلع كل منهم على باطن الآخر، وهذا بحد ذاته فضيحة كبرى بالنسبة لهؤلاء.
ثم تضيف الآية أنه سيثبت لكل هؤلاء في ذلك اليوم: قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وانفقوا كل ملكاتهم وطاقاتهم الحيوية دون جدوى وما كانوا مهتدين بسبب هذا التكذيب والإنكار والإصرار على الذنب، ولأن قلوبهم وأرواحهم كانت مظلمة.