الوحيد الذي ينزل من السماء - إما لأن هذه القطرات المباركة تشكل الأساس لكل الأرزاق، أو لأن المراد هو " النزول المقامي " الذي أشرنا إليه سابقا، ومثل هذا التعبير يلاحظ في المكالمات اليومية، فمثلا إذا صدر أمر من شخص كبير، أو هبة ما إلى شخص صغير، فيقولون: إن هذا الأمر صدر من الأعلى، أو أنه وصلنا من فوق.
3 - لقد أثبت علماء الأصول بجملة الله أذن لكم أم على الله تفترون قاعدة عدم حجية الظن، وقالوا: إن هذا التعبير يوضح أنه لا يمكن إثبات أي حكم من الأحكام الإلهية بدون القطع واليقين، وإلا فإنه افتراء على الله وحرام. (لنا بحوث في هذا الاستدلال ذكرناها في مباحث علم الأصول).
4 - إن الآيات أعلاه تعطينا درسا آخر، وهو أن التشريع مقابل شريعة الله دين الجاهلية، حيث كانوا يعطون لأنفسهم الحق في وضع الأحكام مع ضيق أفكارهم وضحالتها، ولكن لا يمكن أن يكون المؤمن الحقيقي كذلك مطلقا. وما نراه في عصرنا الحاضر من أن جماعة يتحدثون عن الله والإسلام، وفي الوقت نفسه يمدون يد الاستجداء نحو قوانين الآخرين غير الإسلامية، أو يسمحون لأنفسهم بأن يطرحوا جانبا قوانين الإسلام باعتبارها غير قابلة للتطبيق ويشرعون بأنفسهم القوانين، فإن هؤلاء من أتباع سنن الجاهلية أيضا.
إن الإسلام الواقعي لا يقبل التجزئة، فعندما قلنا: إننا مسلمون، فيجب أن نعترف بكل قوانينه فما يقال من أن قوانين الإسلام غير قابلة بأجمعها للتنفيذ وهم باطل لا أساس له، وهو ناشئ من التغريب وانهيار الشخصية.
طبعا، إن الإسلام - نظرا لشموليته - قد أطلق لنا في بعض المسائل اتخاذ مقررات وقوانين مناسبة مع ذكر الأصول العامة حتى نستطيع أن ننظم احتياجات كل عصر وزمان حسب تلك الأصول بالاستشارة والتشاور، ثم نضعها في حيز التنفيذ.