أمام الحق سيحرمون أنفسهم، ولا يضرون إلا أنفسهم.
وقد ورد نظير هذا التعبر في آيات أخرى من القرآن، كما نقرأ في سورة الكافرون: ولكم دينكم ولي دين.
ومن هذا البيان يتضح أن محتوى مثل هذه الآيات لا ينافي مطلقا الأمر بالتبليغ أو الجهاد في مقابل المشركين كيما تعتبر مثل هذه الآيات منسوخة. بل إن هذا نوع من المواجهة المنطقية عن طريق عدم الاكتراث لهؤلاء الأشخاص المعاندين.
وتشير الآيتان التاليتان إلى سبب انحراف هؤلاء وعدم إذعانهم للحق، وتبين أن التعليمات الصحيحة، والآيات المعجزة التي تهز الوجدان والدلالات الأخرى الواضحة لا تكفي بمفردها لهداية الانسان، بل إن استعداد التقبل ولياقة قبول الحق لازمة أيضا، كما أن البذر لوحده ليس كافيا لإنبات النبات والأوراد، بل إن الأرض بدورها يجب أن تكون مستعدة. ولهذا قالت الآية: ومنهم من يستمعون إليك (1) أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون.
وهناك فئة ثانية يشخصون بأبصارهم إليك، وينظرون إلى أعمالك المتضمنة أحقيتك وصدق قولك، إلا أنهم عمي لا يبصرون: ومنهم من ينظر إليك (2) أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون.
ولكن إعلم وليعلم هؤلاء أن قصور الفكر هذا، وعدم البصيرة والعمى عن رؤية وجه الحق، والصمم عن سماع كلام الله ليس شيئا ذاتيا لهم نشؤوا عليه منذ ولادتهم، وإن الله تعالى قد ظلمهم، بل إنهم هم الذين ظلموا أنفسهم بأعمالهم السيئة وعدائهم وعصيانهم للحق، وعطلوا بذلك عين بصيرتهم وأذن أفئدتهم عن