الغرق وبمقتضى عفوه وغفرانه يتجاوز عن أخطائكم.
وأخيرا حانت اللحظة الحاسمة، إذ صدر الأمر الإلهي فتلبدت السماء بالغيوم كأنها قطع الليل المظلم، وتراكم بعضها على بعض بشكل لم يسبق له مثيل، وتتابعت أصوات الرعد وومضات البرق في السماء كلها تخبر عن حادثة " مهولة ومرعبة جدا ".
شرع المطر وتوالى مسرعا منهمرا أكثر فأكثر، وكما يصفه القرآن في سورة القمر ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر.
ومن جهة أخرى ارتفعت المياه الجوفية بصورة رهيبة بحيث تفجرت عيون الماء من كل مكان.
وهكذا اتصلت مياه الأرض بمياه السماء، فلم يبق جبل ولا واد ولا تلعة ولا نجد إلا استوعبه الماء وصار بحرا محيطا خضما.. أما الأمواج فكانت على أثر الرياح الشديدة تتلاطم وتغدو كالجبال. وسفينة نوح ومن معه تمضي في هذا البحر وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين فإن مصيرك إلى الفناء إذا لم تركب معنا.
لم يكن نوح هذا النبي العظيم أبا فحسب، بل كان مربيا لا يعرف التعب والنصب، ومتفائلا بالأمل الكبير بحيث لم ييأس من ابنه القاسي القلب، فناداه عسى أن يستجيب له، ولكن - للأسف - كان أثر المحيط السئ عليه أكبر من تأثير قلب أبيه المتحرق عليه.
لذلك فإن هذا الولد اللجوج الأحمق، وظنا منه أن ينجو من غضب الله أجاب والده نوحا و قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ولكن نوحا لم ييأس مرة أخرى فنصحه أن يترك غروره ويركب معه و قال لا عاصم اليوم من أمر الله ولا ينجو من هذا الغرق إلا من شمله لطف الله إلا من رحم.