قد وعد آزر بالاستغفار ان هو أسلم - لا أنه يستغفر له قبل إسلامه، فلما تبين له أنه عدو لله تنفر منه وابتعد عنه، وعلى هذا فإن وعد إبراهيم كان مشروطا، فلما لم يتحقق الشرط لم يستغفر له أبدا، فإن هذه الرواية إضافة إلى أنها مرسلة وضعيفة، فإنها تخالف ظاهر أو صريح الآيات القرآنية، لأن ظاهر الآية التي نبحثها أن إبراهيم قد استغفر، وصريح الآية (86) من سورة الشعراء أن إبراهيم قد طلب المغفرة له، حيث يقول: واغفر لأبي إنه كان من الضالين.
والشاهد الآخر ما ورد عن ابن عباس أنه قال: إن إبراهيم قد استغفر مرارا لآزر ما دام حيا، فلما مات على كفره وتبين عداؤه لدين الحق، امتنع عن هذا العمل.
ولما كان فريق من المسلمين راغبين في أن يستغفروا للمحسنين الذين ماتوا وهم مشركون، فقد نهاهم القرآن بصراحة عن ذلك، وصرح بأن وضع إبراهيم يختلف تماما عن وضعهم، فإنه كان يستغفر لآزر في حياته رجاء هدايته وإيمانه، لا بعد موته.
3 3 - ضرورة قطع كل رابطة بالأعداء إن هذه الآية ليست الوحيدة التي تتحدث عن قطع كل رابطة بالمشركين، بل يستخلص من عدة آيات في القرآن الكريم أن كل ارتباط وتضامن وعلاقة، العائلية منها وغيرها، يجب أن تخضع لإطار العلاقات العقائدية، ويجب أن يحكم الانتماء إلى الله ومحاربة كل أشكال الشرك والوثنية كل اشكاليات الترابط بين المسلمين. لأن هذا الارتباط هو الأساس والحاكم على كل مقدراتهم الاجتماعية، ولا تستطيع العلاقات والروابط السطحية والفوقية أن تنفيه.
إن هذا درس كبير للأمس واليوم، وكل الأعصار والقرون.
* * *