التقليد إنما هو تعلم العلوم الإسلامية وإيصالها للآخرين في مسائل فروع الدين، ووجوب اتباع المتعلمين لمعلمين.
وكما قلنا سابقا، فإن البحث في هذه الآية لا ينحصر في فروع الدين، بل تشمل حتى المسائل الأصولية، وتتضمن الفروع أيضا على كل حال.
الإشكال الوحيد الذي يثار هنا، هو أن الاجتهاد والتقليد لم يكن موجودا في ذلك اليوم، والاشخاص الذين كانوا يتعلمون المسائل ويوصلونها للآخرين حكمهم كحكم البريد والإرسال في يومنا هذا، لا حكم المجتهدين، أي إنهم كانوا يأخذون المسألة من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويبلغونها للآخرين كما هي من دون إبداء أي رأي أو وجهة نظر.
ولكن مع الاخذ بنظر الاعتبار المفهوم الواسع للاجتهاد والتقليد يتضح الجواب عن هذا الإشكال.
وتوضيح ذلك: إن مما لا شك فيه أن علم الفقه على سعته التي نراها اليوم لم يكن له وجود ذلك اليوم، وكان من السهل على المسلمين أن يتعلموا المسائل من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لكن هذا لا يعني أن علماء الإسلام كان عملهم هو بيان المسائل فقط، لأن الكثير من هؤلاء كانوا يذهبون إلى الأماكن المختلفة كقضاة وأمراء، ومن البديهي أن يواجهوا من المسائل مالم يسمعوا حكمها بالذات من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلا أنها كانت موجودة في عمومات واطلاقات آيات القرآن المجيد. فكان هؤلاء قطعا يقومون بتطبيق الكليات على الجزئيات - وفي الاصطلاح العلمي: رد الفروع إلى الأصول ورد الأصول على الفروع - لمعرفة حكم هذه المسائل، وكان هذا بحد ذاته نوعا من الاجتهاد البسيط.
إن هذا العمل وأمثاله كان موجودا في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتما، فعلى هذا فإن الجذور الأصلية للاجتهاد كانت موجودة بين أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولو أن الصحابة لم يكونوا جميعا بهذه الدرجة.