2 التفسير 3 العقاب بعد البيان:
إن الآية الأولى تشير إلى قانون كلي وعام، يؤيده العقل أيضا، وهو أن الله سبحانه وتعالى ما دام لم يبين حكما، ولم يصل شئ من الشرع حوله، فإنه تعالى سوف لا يحاسب عليه أحدا، وبتعبير آخر: فإن التكليف والمسؤولية تقع دائما بعد بيان الأحكام، وهذا هو الذي يعبر عنه في علم الأصول بقاعدة (قبح العقاب بلا بيان).
ولذلك فأول ما تطالعنا به الآية قوله: وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون.
إن المقصود من (يضل) - في الأصل الإضلال والتضييع، أو الحكم بالإضلال - كما احتمله بعض المفسرين (كما يقال في التعديل والتفسيق، أي الحكم بعدالة الشخص وفسقه) (1) أو بمعنى الإضلال من طريق الثواب يوم القيامة، وهو في الواقع بمعنى العقاب.
أو أن المقصود من " الإضلال " ما قلناه سابقا، وهو سلب نعمة التوفيق، وإيكال الإنسان إلى نفسه، ونتيجة ذلك هو الضياع والحيرة والانحراف عن طريق الهداية لا محالة، وهذا التعبير إشارة خفية ولطيفة إلى حقيقة ثابتة، وهي أن الذنوب دائما هي مصدر وسبب الضلال والضياع والابتعاد عن طريق الرشاد (2).
وأخيرا تقول الآية: إن الله بكل شئ عليم أي إن علم الله يحتم ويؤكد على أن الله سبحانه ما دام لم يبين الحكم الشرعي لعباده، فإنه سوف لا يؤاخذهم أو يسألهم عنه.