قاطعة وحادة، فهي تقول: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولكي توكد ذلك قالت: ولو كانوا أولي قربى.
ثم أن القرآن الكريم بين سبب ودليل هذا الحكم فقال: من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم فإن هذا العمل - أي الاستغفار للمشركين - عمل لا معنى له وفي غير محله، لأن المشرك لا يمكن العفو عنه بأي وجه، ولا سبيل لنجاة من سار في طريق الشرك، إضافة إلى أن طلب المغفرة نوع من إظهار المحبة وارتباط بالمشركين، وهذا هو الأمر الذي نهى عنه القرآن مرارا وتكرارا.
ولما كان المسلمون العارفون بالقرآن قد قرأوا من قبل أن إبراهيم استغفر لعمه آزر، ولذا فمن الممكن جدا أن يتبادر إلى أذهانهم هذا السؤال: ألم يكن آزر مشركا؟ وإذا كان هذا العمل منهيا عنه فكيف يفعله هذا النبي الكبير؟
لهذا نرى أن الآية الثانية تتطرق لهذا السؤال وتجيب عليه مباشرة لتطمئن القلوب، فقالت: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين أنه عدو لله تبرأ منه.
وفي آخر الآية توضيح بأن إبراهيم كان إنسانا خاضعا بين يدي الله عز وجل، وخائفا من غضبه، وحليما واسع الصدر، فقالت: إن إبراهيم لأواه حليم.
إن هذه الجملة قد تكون بيانا لسبب الوعد الذي قطعه إبراهيم لآزر بالاستغفار له، لأن حلمه وصبره من جهة، وكونه أواها - والذي يعني كونه رحيما طبقا لبعض التفاسير - من جهة أخرى، كانا يوجبان أن يبذل قصارى جهده في سبيل هداية آزر، حتى وإن كان بوعده بالاستغفار له، وطلب المغفرة عن أعماله السابقة.
ويحتمل أيضا أن تكون هذه الجملة دليلا على أن إبراهيم لخضوعه وخشوعه وخوفه من مخالفة أوامر الله سبحانه لم يكن مستعدا لأن يستغفر للمشركين أبدا، بل إن هذا العمل كان مختصا بزمان كان أمل هداية آزر يعيش في قلبه، ولهذا فإنه بمجرد أن اتضح أمر عداوته ترك هذا العمل.