الذكرى واليه ذهب جماعة من المتأخرين وهو غير بعيد لكونه ضررا بل ربما أدي الجبن إلى ذهاب العقل الذي هو أقوى من كثير مما يسوغ التيمم لأجله نعم لو كان الجبن يسير الا ينشأ عنه ضرر ففي الحاقه تأمل وحكم الشارح الفاضل بالعدم أو خوف ضياع المال بسبب السعي إلى الماء وان لم يكن من اللص أو السبع ويمكن ان يريد بخوف اللص أو السبع الخوف على النفس وغيرها وبقوله أو ضياع المال ضياعه بسببهما وقد مر ما يصلح دليلا لهذه المسألة أو عدم الآلة المحتاج إليها في تحصيل الماء كالدلو والرشا حيث يحتاج إليها ولو تمكن من شد الثياب بعضها ببعض والتوصل به إلى الماء إما بالعصر والطهارة بالمعتصر أو جعلها آلة الاستقاء وإن كان بشق البعض المستلزم لنقص الثمن وجب مع عدم التضرر بذلك ويتحقق عدم الآلة وكذا الماء بعدم وجودهما معه أو مع باذل ولو بعوض مقدور غير مجحف أو إعارة لها أو هبة له أو بوجودهما مع من لا يعطى الا بثمن مع عدم الثمن في الحال أو في المال بحيث يتمكن فيه منه وأمكن التأجيل إليه وكذا لو وجدت الآلة أو نزح الماء أو تسخينه بأجرة مع عدمها كذلك ولو وجد الماء بثمن لا يقدر عليه فبذل له الثمن فالظاهر وجوب القبول كما ذهب إليه الشيخ والمصنف في المنتهى لوجوب الطهارة المائية وعدم ما يصلح دليلا للانتقال إلى البذل واستشكله المحقق بان فيه منة في العبادة ولا يجب تحمل المنة ولهذه العلة ذهب المصنف في التذكرة والنهاية والشهيدان إلى عدم الوجوب وفى كلتا المتقدمتين منع قال الفاضل الشارح في تعليل ما اختاره ذلك مما يمتن به عادة ويحصل به حذر وغضاضة وامتهان على نفوس الأحرار ولا فرق في ذلك بين القليل والكثير لعدم انضباط أحوال الخلق في ذلك فاعلا وقابلا فربما عد بعضهم القليل كثير أو يشق على بعضهم تحمل القليل كالكثير فالمرجع في ذلك إلى جنس ما يمتن به عادة كما لم يفرق بين قليل الماء وكثيره في وجوب قبوله اعتبارا بالجنس والحق ان اثبات الأمور الشرعية بمثل هذه التعليلات مشكل على أن دفع الامتنان إن كان علة للترخيص يلزم جعله مدارا للامر حتى يكون العبرة بحصول المنة فقد يحصل في القليل وقد لا يحصل في الكثير فجعل العلة الجنس يحتاج إلى دليل على أن الفرق المذكور بين الماء وثمنه خصوصا بين كثير الماء ممن عادته المنة لمن يشق عليه ذلك وبين قليل الثمن ممن ليس من عادته ذلك لمن لا يشق القبول عليه من غير فارق شرعي محل نظر تام والظاهر أن المنذور على وجه يدخل فيه المحتاج يجب قبوله قول واحد ولا يجوز مكابرة مالك الماء والآلة عليها لانتفاء الضرورة بخلاف الماء للعطش والطعام للمجاعة ولو علم مع قوم ماء فعليه ان يطلبه منهم إذا احتمل البذل على الظاهر ويحتمل عدم الوجوب وكذا الحكم في استيهاب الثمن ولو امتنع من اتهاب الماء لم يصح صلاته بالتيمم ما دام الماء باقيا في يد الموهب المعتم على الهبة خلافا لبعض العامة ولو فقد الثمن لكنه يمكنه التكسب والشراء وجب عليه ذلك خلافا للشافعية ولو وجده أي الثمن وخاف الضرر على نفسه بدفعه عوضا عن المال أو الآلة لم يجب جاز التيمم بل لم يجز قال في المعتبر إذا لم يوجد الا ابتياعا وجب مع القدرة وان كثر الثمن كذا قال علم الهدى وقيل ما لم يضر به في الحال وهو أشبه وصرح بان القول الثاني للشيخ وذكر انه فتوى فضلائنا وفقهاء الجمهور قال وانما قلنا إنه أشبه لان من خشى من لص اخذ ما يحجب به لم يجب عليه السعي وتعرض المال للتلف وإذا ساغ التيمم هنا دفعا لهذا القدر ساغ هنا وبينه على ذلك ما رواه يعقوب بن سالم ونقل الرواية السالفة وتوجه ما ذكره نفى الحرج والعسر والضرر والمستفاد من الآية والخبر ويؤيده وجوب حفظ الماء لدى الحاجة فحفظ ثمنه أولي و الظاهر أن خوف الضرر على نفوس الرفقة المسلمين كذلك واما البهائم المحترمة كما ذكره الفاضل الشارح ففيه تأمل لما ذكرنا سابقا ولو وجده أي الماء بثمن لا يضره في الحال الظاهر منه ومن كلام غيره ان المراد به الزمان الحاضر فلا عبرة لخوف ضرره في المال لامكان تجدد ما يندفع به الضرر ويحتمل ان يكون المراد به حال نفسه ليعم الضرر الحاضر والمتوقع حيث يحتاج إلى المال المبذول في المستقبل الذي لا يتجدد فيه ما يندفع به الضرر عادة وصرح المصنف بذلك في التذكرة وقيد وجوب الشراء في التذكرة والمنتهى بالاستغناء عنه هو حسن دفعا للحرج والضرر فمتى لم يضره كذلك وجب الشراء لوجوب الطهارة المائية التي لا يتم الا بذلك ووجوب تحصيل ما لا يتم الواجب الا به وان زاد الثمن عن ثمن المثل اضعافا مضاعفة على المشهور بين الأصحاب لأنه واجد للماء لقدرته عليه بالثمن المقدور عليه المفروض عدم التضرر به ولصحيحة صفوان قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء فوجد قدر ما يتوضأ به بمائه درهم أو بألف درهم وهو واجد لها يشترى ويتوضأ أو يتيمم قال لا بل يشترى قد أصابني مثل هذا فاشتريت وتوضأت وما يشترى بذلك مال كثير وخالف في ذلك ابن الجنيد واختلف كلامهم في نقل مذهبه ففي المنتهى انه يقال بعدم وجوب الشراء إذا وجد بثمن زائد عن ثمن المثل زيادة كثيرة وأما إذا كانت الزيادة يسيرة فظاهر المنتهى ان وجوب الشراء حينئذ اجماعي بين الأصحاب وفى التذكرة قال ابن الجنيد منا والشافعي لا يجب الشراء وان زاد يسيرا وفى المعتبر قال ابن الجنيد منا إذا كان الثمن غاليا تيمم وصلى وأعاد إذا وجد الماء على اشكال ينشأ مما ذكروا من أن خوف ضياع المال اليسير بالسعي إلى الماء يوجب التيمم فلا يجب بذل الكثير للاشتراك في المعنى ولأنه تضييع المال قليله وكثيره يشترك في تحريم تضييعه ولقوله عليه السلام لا ضرر ولا اضرار ولعل هذه الوجوه متمسك ابن الجنيد والجواب عن الأول ان بذل المال الكثير اختيارا في طلب عبادة شرعية نيلا للمثوبات الأخروية ليس فيه إهانة واذلال موجب ماء ضرر والعمر المنفيين بالنص كما هو شأن صرف الأموال الخطيرة في مصارف الخيرات بخلاف تعريض المال قليلها وكثيرها للسراق واللصوص فان فيه إهانة وغضاضة يستوحش منها الأحرار وهذا هو الفارق بين الامرين ولان الثاني تضييع للمال وتمكين للغصب المحرم فيكون محرما بالأدلة الدالة على ذلك دون الأول واما الفرق بان اللازم في الفرع انما هو الثواب وهو اضعاف ما وقع واللازم في الأصل انما هو العوض وهو مساو لما اخذ ففيه انه إذا ترك المال لابتغاء الماء دخل في حين الثواب أيضا لو كان مكلفا بذلك وعن الثاني بالمنع من كون ذلك تضييعا كيف ويحصل بذلك جميل الذكر وجزيل الدخر وعن الثالث بالمنع من كونه ضررا لما ذكرنا مع النقض بصورة المساواة وعلى القول باعتبار ثمن المثل كان العبرة بثمن المثل بالنسبة إلى الماء بحسب الزمان والمكان لان للماء في نفسه قيمة وعن بعض العامة ان المعتبر اجرة الاستقاء والنقل إلى ذلك المكان إذ لا ثمن للماء وهو ضعيف واطلاق عبارة المصنف يقتضى عدم الفرق بين المجحف وغيره واختار ذلك الشهيد الثاني في شرح الشرائع وقيد المصنف في التذكرة والشهيد في الذكرى وجوب الزائد عن ثمن المثل بعدم الاجحاف بالمال وإن كان مقدرا للحرج والعسر وقال في المنتهى لو كانت الزيادة كثيرة مجحفا بماله سقط عنه وجوب الشراء ولا نعلم فيه مخالفا انتهى ولا خفاء في أن الاجحاف إذا كان ضارا بحاله لم يجب الشراء والا فالحكم لا يخلو عن اشكال الا ان يثبت اجماع فروع الأول قال في المعتبر لو بذل له بثمن غير مجحف إلى أجل وكان قادرا عليه وجب قبوله وان شغلت ذمته لان له سبيلا إلى تحصيل الماء من غير اجحاف وان لم يكن قادرا عليه لم يجب وقد يستشكل الأول بأن شغل الذمة بالدين الموجب للذلة مع عدم الوثوق بالوفاء وقت الحلول وتعريض نفسه لضرر المطالبة وامكان عروض الموت له مشغول الذمة ضرر عظيم وفيه انه قادر على الأداء وقت الاجل بمقتضى العادة فرضا وتلك المضار مجرد احتمال لا يكفي لسقوط التكليف الثابت وقد زاد المصنف في المنتهى فقال لو كان عليه دين مستغرق وجب عليه الشراء في الذمة ان وجد البائع لأنه متمكن الثاني الظاهر تقديم النفقة الواجبة على شراء الماء للطهارة الثالث قال المصنف في النهاية لو وجد ماء موضوعا في الفلاة في حب أو كوز ونحوه للسابلة جاز له الوضوء ولم يستبيح له التيمم لأنه واجد الا ان يعلم أو يظن وضعه للشرب ولو كان كثيرا دلت الكثرة على تسويغ الوضوء منه قال في المنتهى في صورة الكثرة لا خلاف في الجواز وللتأمل في صورة الشك بإذن المالك وكذا الآلة يجب شراؤها وان زاد ثمنها على ثمن المثل مع القدرة وعدم الضرر ولو لم يوجد الا بالبذل وجب القبول على ما اخترنا ولو تعذر الشراء وأمكن الاستيجار تعين ولو أمكن كل منهما تخير ولو غصب آلة الاستقاء صحت طهارته بخلاف ما لو غصب الماء ولو فقده أي الماء وجب عليه الطلب غلوة سهم والغلوة بفتح الغين مقدار الرمية والمراد ما كان من الرامي المعتدل بالآلة المعتدلة في الأرض الحزنة بفتح الحاء وسكون الزاء المعجمة أي ما غلظ من الأرض وفى الخبر بلفظ الحزونة ولعل المراد مافيا لحزنة بضم الحاء وهي الجبال الغلاظ وبالجملة المراد بها خلاف السهلة وهي المشتملة على الأشجار والأحجار والعلو والهبوط مراعيا ذلك من كل جانب مستوعبا وقدر سهمين في السهلة وهي خلاف الحزنة لا خلاف بين الأصحاب في وجوب الطلب عند رجاء الإصابة وعدم الضرر نقل اجماع الفرقة على ذلك ابن
(٩٥)