ان الخبر الأول عامي معارض بمثله والخبر الثاني غير صحيح السند معارض بخبر أبي العباس فليحمل على الاستحباب وينبغي التنبيه على أمور الأول قال الصدوق وان ولغ كلب في اناء فيه ماء أو شرب منه أهريق الماء وغسل الإناء ثلث مرات مرة بالتراب ومرتين بالماء والمنقول عن والده في الرسالة نحو هذا الكلام وقوى المصنف في النهاية الحاقا اللعاب الحاصل بغير الولوغ به واستقرب ذلك في عرقه وساير رطوباته واجزائه وفضلاته واحتج بان فمه أنظف من غيره واحد ولهذا كانت نكهته أطيب من غيره من الحيوانات لكثر لهثه وهو ضعيف جدا والمشهور بين الأصحاب قصر الحكم على الولوغ واللطع اقتصارا للحكم على مورد النص وأوفق المصنف للمشهور في غير النهاية بل في النهاية أيضا فإنه رجع فيه عن الحكم السابق وأفتى بالمشهور الثاني اطلق الصدوقان والشيخ في المختلف اعتبار الغسل ثلثا احديها بالتراب من غير تعرض لبيان الترتيب وصرح بتقديم التراب الشيخ في النهاية والمبسوط وابن الجنيد وعليه جمهور الأصحاب ويدل عليه النص المذكور والمفيد صرح بتوسيط التراب وحجته غير ظاهرة الثالث أكثر الأصحاب على الاكتفاء في التعفير بالتراب وحده وبعضهم لم يصرحوا بحكمه حال المزج وصرح الشهيد بالاجزاء وكذا الشارح الفاضل لكنه اعتبر عدم خروج التراب بالمزج عن اسمه وابن إدريس اشترط المزج وقواه المصنف في المنتهى احتج ابن إدريس بان حقيقة الغسل جريان المائع على الجسم المغسول فيعتبر مزج التراب تحصيلا لحقيقة الغسل وأجاب عنه المصنف في المختلف والشهيد في الذكرى بما محصله ان مزج التراب غير محصل لحقيقة الغسل (فان حقيقة الغسل) غير حاصلة على التقديرين والمجاز صادق بالتراب وحده وليس على ترجيح أحد المجازين على الأخر دليل ويرد عليه ان الظاهر من حقيقة الغسل اجراء الجسم المائع على الشئ سواء كان ماء مطلقا أم لا ولا خفاء في أن اجراء المائع إلى معنى الغسل الحقيقي من المسح بالتراب واللائق في الجواب ان يقال مدلول النص الغسل بالتراب والضرورة يقتضي حمل الغسل على المعنى الحقيقي وارتكاب المجاز في لفظ التراب أو العكس ولا ترجيح للأول على الثاني وقد يقال الباء في قوله واغسله بالتراب في الخبر يحتمل ان يكون للاستعانة كما في قولك كتبت بالقلم والظرف لغو ويحتمل ان يكون للمصاحبة كما في قولك دخلت عليه بثياب السفر والظرف مستقر فعلى الأول يتعين التجوز في الغسل بإرادة الدلك منه لنوع من العلاقة وعلى الثاني لا حاجة إلى التجوز في الغسل ويحتاج الكلام إلى تقدير المتعلق للجار وهو وإن كان خلاف الأصل الا انه راجح على الأول لكونه أسبق إلى الفهم وأكثر في الاستعمال إذ لا ريب في قلة استعمال الغسل في الدلك بالتراب وبعده عن الفهم وليس الاضمار لمتعلق الجار بهذه المثابة ولا قريبا منها وإذا ثبت رجحانه فمقتضاه الاكتفاء بمسمى المصاحبة ولا يخفى ان الاحتمال حمل الباء على المصاحبة احتمال حسن لكن هيهنا احتمال اخر وهو ان يحمل الباء على الاستعانة ويقدر للظرف متعلق مثل الدلك والمسح وأمثاله والتقدير وإن كان خلاف الظاهر لكنه بعيد في مثل هذا المقام بمعونة القرينة ولا يبعد ترجيح هذا الاحتمال لكون المتبادر في مثل هذا المقام ان يكون الباء للاستعانة كما في قوله ثم بالماء المعطوف عليه ولو كان المراد ما ذكره لكان الظاهر أن يقال ثم بالماء (البحت) أو القراح كما في اخبار غسل الميت ثم دعوى تعين التجوز في الغسل على تقدير ان يكون الظرف لغوا والباء للاستعانة لا يخلو عن اشكال وعلى ما ذكرنا فمختار الشارح الفاضل لا يخلو عن قوة الرابع قال المصنف في التذكرة ان قلنا بمزج الماء بالتراب هل يجزى لو صار مضافا اشكال وعلى تقديره هل يجزى عوض الماء ماء الورد وشبهه اشكال وبنى الحكم في النهاية على أن التعفير حيث ثبت تعبدا أو استظهارا في القلع بغير الماء فعلى الأول يتوقف فيه مع ظاهر النقل وعلى الثاني يجزى عوض الماء غيره من المائعات كالخل وماء الورد ولا يضر خروج الماء عن الاطلاق بالمزج بطريق أولي ولا يخفى ان الحق هو التعبد واحتمال الاستظهار لا دليل عليه إذا ثبت هذا فاعلم أن المشهور بين الأصحاب ان غير الماء المطلق مما لا مدخل له في التطهير فمنهم من جعله مبينا على أن حقيقة الغسل لا يتحقق بدون الماء المطلق ومنهم من سلم ان حقيقة الغسل يتحقق بدونه لكن الفرد الشائع المتبادر منه الغسل بالماء المطلق فيجب حمل الأوامر عليه وليس شئ منهما تامة كما أشرنا إليه في محله وحينئذ لم يضر خروج الماء بالمزج عن الاطلاق ولم يبعد اجزاء غير الماء من المائعات وكذا عدم خروج الماء بالمزج عن الاطلاق لان اعتبار المزج انما اخذ من الامر بالغسل فلا خصوصية لهذا النوع عن غيره وان قلنا بالوجه الثاني فعدم اجزاء غير الماء متجه لكن اشتراط عدم خروج المطلق بالمزج عن اسمه فمحل نظر إذ يمكن ان يقال الظاهر من اطلاق الامر بالغسل بالماء المستصحب للتراب على ما مر من احتمال حمل الباء على المصاحبة عدم الالتفات إلى بقاء الاسم في شئ منهما بعد الاجتماع نعم اللازم صدق الاسم على كل منهما قبل الاجتماع فان الفرد الشائع من الغسل (الغسل بالماء فإذا وقع الامر بالغسل) مطلقا كان الظاهر منه ان يكون المغسول به مما يصدق عليه اطلاق الاسم وإذا قيد فكأنه قيل اغسل بالماء باعتبار استصحاب الماء للتراب لم يبق الطهور المذكور وكان مقتضاه مجرد صدق الاسم قبل الامتزاج فكأنه قبل اغسل بالماء الممتزج بالتراب مظهر الفرق الخامس اشترط جمع من الأصحاب الطهارة في التراب ومنهم المصنف في المنتهى فإنه قرب ذلك محتجا بان المطلوب منه التطهير وهو غير مناسب بالنجس ويشكل باطلاق النص وحصول الاتقاء بالطاهر والنجس فالقول بعدم الاشتراط غير بعيد واحتمله المصنف في النهاية لكن علل بتعليل ضعيف السادس ذكر الصدوقان والمفيد بعد الحكم بغسل الاناء من الولوغ انه يجفف ووجهه غير معلوم وحكاه الفاضلان عن المفيد وحده وذكر المحقق انه منفى بالأصل وبالنص فان الظاهرة الاكتفاء بمضمونه وهو حسن السابع نقل عن ابن الجنيد أنه قال المرة الأولى في الغسل من الولوغ يكون بالتراب أو ما قام مقامه فهو يرى التخيير والجمهور على خلافه اقتصارا على مورد النص الثامن قال الشيخ في المبسوط إذا لم يوجد التراب ووجد غيره كالأشنان وما يجرى مجراه ووجهه المحقق بان الأشنان أبلغ في الانقاء فإذا طهر بالتراب فبالأشنان أولي ثم قال المحقق وفيه تردد منشأوه اختصاص التعبد بالتراب وعدم العلم بحصول المصلحة المرادة منه في غيره على أنه لو صح ذلك لجاز مع وجود التراب وهو جيد وقد وافق الشيخ المصنف في كثير من كتبه وتوقف في النهاية وقوى عدم الأجزاء في المنتهى وهو حسن التاسع قال الشيخ في المبسوط وإذا لم يوجد التراب لعلة جاز الاقتصار على الماء وان وجد غيره من الأشنان وما يجرى مجراه كان ذلك أيضا جائزا وقد يفهم منه اشتراط فقد شبه التراب في اجزاء الماء واختاره المصنف في جملة من كتبه والشهيد وذكر في المنتهى بعد حكاية كلام الشيخ انه يعطى أحد معنيين إما استعمال الماء ثلث مرات أو استعماله مرتين قال ووجه الاحتمال الأول انه قد أمر بالغسل وقد فات ما يغسل به فينتقل إلى ما هو أبلغ وهو الماء وفيه انا لا نسلم كون الماء أبلغ سلمنا لكن يجوز ان يكون الغرض من التراب التعبد أو التعبد مع الإزالة به فلا يجزى الماء ولا ينفع كونه أبلغ على أن اللازم من ذلك عدم رعاية فقدان التراب في حصول الطهارة بالماء ووجه الثاني بأنه أمر بالغسل بالتراب ولم يوجد التراب فالتعدية خروج عن المأمور به وتنجس الاناء دائما تكليف بالمشقة فوجب القول بالطهارته (بطهارته) بالغسل مرتين وفيه ان اثبات كون هذا المقدار من المشقة موجبا للترخيص مشكل على أن المشقة الحاصلة بفقد الماء أكثر ولا أقل من المساواة فيلزم القول بكفاية التراب حيث لا يوجد الماء ولقائل أن يقول (من قبل) المصنف ان المستفاد من الرواية الامر بالغسل بالتراب لا اشتراط حصول الطهارة به فعند التعذر يسقط التكليف ويحصل الطهارة بالماء وحده لعموم الماء يطهر وفيه ان الظاهر من الرواية بمعونة عمل الأصحاب وفهمهم انه بيان لكيفية التطهير فيستفاد منه الاشتراط ولو صح ما ذكره يلزم ان يحصل الطهارة في صورة عدم تعذر التراب أيضا والمصنف لا يقول به والخبر لا يدل على أن الماء مطهر لكل شئ بأي وجه اتفق وقد يفهم بعضهم من كلام الشيخ التخيير عند عدم التراب بين الاقتصار على الماء واستعمال ما يشبه التراب وذكر انه لا يعرف للشيخ موافقا على هذا المعنى نعم ذكره المصنف في التذكرة والنهاية احتمالا والأقوى في المسألة بقاء الاناء عند فقد التراب وعدم استعماله على النجاسة كما ذهب إليه جمع من المتأخرين لان مقتضى اشتراط الطهارة بالغسل بالتراب والماء انتفاؤها عند انتفاء الشرط ولا شك في انتفاء المجموع بانتفاء (أحد اجزائه) والاكتفاء ببعض الأجزاء أو قيام شئ اخر بدل البعض يحتاج إلى دليل وكما أن الجزء الآخر للشرط وهو الماء لا يتفاوت الحال في انتفاء المشروط عند
(١٧٧)