اقتضت حصول علم له بالمدلول، لما وجب مع الشبهة في الدليل الأول أن يستمر كونه عالما، وهذا أوضح.
فإن قيل: كيف يعلم في الدليل الثاني أنه دليل، وهو لا يتميز له حصول العلم له من جهته، لأنه إذا كان عالما بحدوث الأجسام بالدليل الأول، ثم نظر في الدليل الثاني، وادعيتم أنه يجب أن يفعل لنفسه عند تكامل صحة مقدمات الدليل الثاني اعتقاد حدوث الأجسام، وهذا مما لا يتميز له، لأنه معتقد وعالم بحدوث الأجسام بالنظر الأول، فكيف يعلم أن الدليل الثاني دليل على الحقيقة.
ولا يجري ذلك مجرى من لم يكن عالما بشئ، ثم نظر في دليل عليه فوجد نفسه عالما لم يكن عالما به، لأن هاهنا تمييز 1 له حصول العلم بعد أن يكون حاصلا.
قلنا: الناظر قبل أن ينظر في الدليل الثاني إذا تأمل مقدماته، فلا بد أن يكون عالما بأنها من صحة، وعلم الناظر ذلك من حالها، فإنه لا بد أن يفعل لنفسه علما بحدوث الأجسام، وأنه لا يجوز أن يتكامل له العلم بثبوت المقدمات وصحتها، ولم يفعل لنفسه علما بحدوث الجسم.
كما أنه يعلم قبل النظر في طريقة إثبات الاعراض وحدوثها، أنه متى علم الناظر أن الجسم 2 بشئ ذواتا محدثة، فلا بد أن يفعل لنفسه اعتقادا، لأنه محدث ويكون ذلك الاعتقاد علما لهذا الوجه، فكان العلم بأن الدليل دليل هو علم بتعلقه بالمدلول على وجه مخصوص يفضي إلى العلم.
ومن قال: إن النظر في الدليل الثاني لا يحصل عنده علم، بأن يقتضي يضيق عليه هذا الكلام.