تقول أحسنت كذا إذا أتقنته وأحسنت إلى فلان إذا أوصلت إليه النفع والأول هو المراد لأن المقصود إتقان العبادة وقد يلحظ الثاني بأن المخلص مثلا محسن بإخلاصه إلى نفسه وإحسان العبادة الإخلاص فيها والخشوع وفراغ البال حال التلبس بها ومراقبة المعبود وأشار في الجواب إلى حالتين أرفعهما أي يغلب عليه مشاهدة الحق حتى كأنه يراه بعينه وهو قوله كأنك تراه أي وهو يراك والثانية أن يستحضر أن الحق مطلع عليه يرى كل ما يعمل وهو قوله فإنه يراك وهاتان الحالتان يثمرهما معرفة الله وخشيته وقال النووي هذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم لأنا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى لم يترك شيئا مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى به فقال صلى الله عليه وسلم اعبد الله في جميع أحوالك كعبادتك في حال العيان فإن التتميم المذكور في حال العيان إنما كان لعلم العبد باطلاع الله سبحانه وتعالى عليه فلا يقدم العبد على تقصير في هذا الحال للاطلاع عليه وهذا المعنى موجود مع عدم رؤية العبد فينبغي أن يعمل بمقضاه فمقصود الكلام الحث على الإخلاص في العبادة ومراقبة العبد ربه تبارك وتعالى في إتمامه الخشوع والخضوع وغير ذلك (قال) أي عمر رضي الله عنه (يقول) أي جبرئيل عليه السلام (صدقت) بفتح الفوقية (قال) أي عمر رضي الله عنه (فتعجبنا منه يسأله ويصدقه) سبب تعجبهم أن هذا خلاف عادة السائل الجاهل إنما هذا كلام خبير بالسؤال عنه ولم يكن في ذلك الوقت من يعلم هذا غير النبي صلى الله عليه وسلم (قال فمتى الساعة) أي متى تقوم الساعة واللام للعهد والمراد يوم القيامة (ما المسؤول عنها) ما نافية (بأعلم) الباء زائدة لتأكيد النفي قال الحافظ وهذا وإن كان مشعرا بالتساوي في العلم لكن المراد التساوي في العلم بأن الله تعالى استأثر بعلمها لقوله بعد خمس لا يعلمها إلا الله قال النووي يستنبط منه أن العالم إذا سئل عما لا يعلم بأنه لا يعلمه ولا يكون في ذلك نقص من مرتبته بل يكون ذلك دليلا على مزيد ورعه (فما أمارتها) بفتح الهمزة والأمارة والأمار بإثبات الهاء وحذفها هي العلامة (قال أن تلد الأمة ربتها) قال النووي وفي الرواية الأخرى ربها على التذكير وفي أخرى بعلها قال يعني السراري ومعنى ربها وربتها سيدها ومالكها وسيدتها ومالكتها وقال الأكثرون من العلماء هو إخبار عن كثرة السراري وأولادهن فإن ولدها من سيدها بمنزلة سيدها لأن مال الإنسان صائر إلى ولده وقد يتصرف فيه في الحال تصرف المالكين إما بتصريح أبيه بالإذن وإما بما يعلمه بقرينة الحال أو عرف الاستعمال
(٢٩١)