وقد ثبت أن زين العابدين وجعفرا الصادق وابنه موسى عليهم السلام زاروه في هذا المكان، ولم يزل القبر مستورا لا يعرفه إلا خواص أولاده ومن يثقون به بوصية كانت منه عليه السلام لما علمه ممن دولة بني أمية من بعده واعتقادهم في عداوته وما ينتهون إليه فيه من قبح الفعال والمقال بما تمكنوا من ذلك، فلم يزل قبره عليه السلام مخفيا حتى كان زمن الرشيد هارون بن محمد بن عبد الله العباسي فإنه خرج ذات يوم إلى ظاهر الكوفة يتصيد وهناك حمر وحشية وغزلان فكان كلما ألقي الصقور والكلاب عليها لجأت إلى كثيب رمل هناك فترجع عنها الصقور والكلاب فتعجب الرشيد من ذلك ورجع إلى الكوفة وطلب من له علم بذلك فأخبره بعض شيوخ الكوفة أنه قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام.
فيحكى أنه خرج ليلا إلى هناك ومعه علي بن عيسى الهاشمي وأبعد أصحابه عنه وقام يصلي عند الكثيب ويبكي ويقول: والله يا ابن عم إني لأعرف حقك ولا أنكر فضلك ولكن ولدك يخرجون علي ويقصدون قتلي وسلب ملكي إلى أن قرب الفجر وعلي بن عيسى نائم فلما قرب الفجر أيقظه هارون وقال: قم فصل عند قبر - ابن عمك قال: وأي ابن عم هو؟ - قال: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فقام علي بن عيسى فتوضأ وصلى وزار القبر.
ثم إن هارون أمر فبني عليه قبة وأخذ الناس في زيارته والدفن لموتاهم حوله إلى أن كان زمن عضد الدولة فناخسرو بن بويه الديلمي فعمره عمارة عظيمة وأخرج على ذلك أموالا جزيلة وعين له أوقافا.
ولم تزل عمارته باقية إلى سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة وكان قد ستر الحيطان يخشب الساج المنقوش فاحترقت تلك العمارة وجددت عمارة المشهد على ما هي عليه الآن وقد بقي من عمارة عضد الدولة قليل وقبور آل بويه هناك ظاهرة مشهورة لم تحترق).
أقول: كانت وفاة جمال الدين أحمد بن عنبة في سنة ثمان وعشرين وثمانمائة.