الغارات - إبراهيم بن محمد الثقفي - ج ٢ - الصفحة ٦٣٤
النار (1)، ألا وإنكم في أيام مهل من ورائه أجل يحثه عجل، فمن عمل في أيام مهله قبل حضور أجله نفعه عمله ولم يضره أمله، ألا وإن الأمل يسهي القلب ويكذب الوعد ويكثر الغفلة ويورث الحسرة، فاعزبوا عن الدنيا كأشد ما أنتم عن شئ
1 - قال الرضي - رضي الله عنه - في ذيل الخطبة ما نصه:
(وأقول: إنه لو كان كلام يأخذ بالأعناق إلى الزهد في الدنيا ويضطر إلى عمل الآخرة لكان هذا الكلام، وكفى به قاطعا لعلائق الآمال وقادحا زناد الاتعاظ والازدجار، ومن أعجبه قوله عليه السلام: (ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق والسبقة الجنة والغاية النار) فإن فيه مع فخامة اللفظ وعظم قدر المعنى وصادق التمثيل وواقع التشبيه سرا عجيبا ومعنى لطيفا وهو قوله عليه السلام: (والسبقة الجنة والغاية النار) فخالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين المفسرين ولم يقل: السبقة النار، كما قال: السبقة الجنة، لأن الاستباق إنما يكون إلى أمر محبوب وغرض مطلوب وهذه صفة الجنة وليس هذا المعنى موجودا في النار نعوذ بالله منها فلم يجز أن يقول: والسبقة النار بل قال: والغاية النار لأن الغاية قد ينتهى إليها من لا يسره الانتهاء إليها ومن يسره ذلك فصلح أن يعبر بها عن الأمرين معا فهي في هذا الموضع كالمصير والمال قال الله تعالى: قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار، ولا يجوز في هذا الموضع أن يقال: فإن سبقتكم بسكون الباء إلى النار، فتأمل ذلك فباطنه عجيب وغوره بعيد لطيف وكذلك أكثر كلامه عليه السلام، وفي بعض النسخ وقد جاء في رواية أخرى:
والسبقة الجنة بضم السين والسبقة عندهم اسم لما يجعل للسابق إذا سبق من مال أو عرض والمعنيان متقاربان لأن ذلك لا يكون جزاءا على فعل الأمر المذموم وإنما يكون جزاءا على فعل الأمر المحمود) وقال المفيد - رضوان الله عليه - في الارشاد في باب عقده لنقل مختصر من كلام أمير المؤمنين عليه السلام ضمن ترجمته: (ومن كلامه عليه السلام في التزهيد في الدنيا والترغيب في أعمال الآخرة ما اشتهر بين العلماء وحفظه ذوو الفهم والحكماء: أما بعد أيها الناس فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع (الخطبة لكن باختلاف في بعض الفقرات وزيادة ونقيصة) (أنظر ص 176 - 177 من طبعة تبريز سنة 1308) ونقلها المجلسي (ره) في المجلد السابع عشر في باب مواعظ أمير المؤمنين من البحار عن الارشاد (أنظر ص 110، س 9).