ولم يكد نور الإمامة ينطفئ في العلم والعمل، حتى استقل بالظهور على منصتها شيخ الأمة المترجم له، وأقيمت منه الاعلام والصوى، وانتشر عرفه الفياح بين فجاج ذلك المستوى، وازدلفت إليه العلماء والأفاضل تستضئ بنوره المتألق، وترتشف من معينه المتدفق، للتلمذة والحضور تحت منبره، وتقاطر إليه المستفيدون من كل حدب وصوب، وبلغت عدة تلامذته إلى ثلاثمائة من مجتهدي الخاصة، ومن العامة مالا يحصى عددهم، وقد اعترف الكل بفضله السيال، وقد روى منه شخصية بارزة، ونبوغا موصوفا، وعبقرية ظاهرة في العلم والعمل، حتى أن خليفة الوقت (القائم بأمر الله) عبد الله بن (القادر بالله) أحمد جعل له كرسي الكلام والإفادة الذي ما كانوا يسمحون به يوم ذاك إلا لوحيد العصر المبرز في علومه ومعارفه الجمة على قرنائه ومعاصريه.
ومن قوة عارضته وتقدم حجته ما أثبته القاضي في المجالس، وسيدنا الطباطبائي في الرجال: أنه وشي بالشيخ (ره) إلى خليفة الوقت العباسي (أحمد) أنه هو وأصحابه يسبون الصحابة، وكتابه المصباح يشهد بذلك، فقد ذكر أن من دعاء يوم عاشوراء: - اللهم خص أنت أول ظالم باللعن مني وابدأ به أولا ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع، اللهم العن يزيد بن معاوية خامسا.
فدعا الخليفة بالشيخ والكتاب فلما أحضر الشيخ ووقف على القصة ألهمه الله أن قال: ليس المراد من هذه الفقرات ما ظنه السعاة بل المراد بالأول قابيل قاتل هابيل وهو أول من سن الظلم والقتل، وبالثاني قيدار عاقر ناقة صالح، وبالثالث قاتل يحيى ابن زكريا من أجل بغي من بغايا بني إسرائيل، وبالرابع عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب. فلما سمع الخليفة من الشيخ تأويله وبيانه قبل منه ذلك ورفع منزلته، وانتقم من الساعي وأهانه.