واحتج أبو حنيفة على نجاسة سؤر سباع الوحش بأن لعابه نجس بدليل حرمة أكله مع كونه صالحا للغذاء من غير استحقاقه الكرامة (1) والاحترام، وإذا كان لعابه نجسا وقد امتزج بالماء أوجب نجاسته (2)، وخص ما ورد من الحديث بالحياض الكبيرة.
والجواب عنه بالمنع من نجاسة اللعاب، وتحريم أكل اللحم لا يدل على النجاسة فإن التحريم قد يكون للنجاسة، وقد يكن لاشتماله على المؤذي، وقد يكون لمصالح أخر خفية علينا، فكيف يعارض النص بمثل هذا الاستدلال الضعيف، على أنا نقول: حيوان يطهر جلده بالدباغ، فيكون سؤره طاهرا كالشاة والحمار، والجامع أن طهارة الجلد تدل على أن عينه ليست نجسة، فلا يكون لحمه نجسا، وتخصيص الحديث لغير دليل باطل خصوصا مع أن السؤال وقع عن الجمع المحلى بالألف واللام الموضوع للعموم، فلو لم يكن الجواب بحيث يدخل فيه كل الأفراد، لكان تأخيرا للبيان عن وقت الحاجة، وذلك باطل بالاتفاق.
واستدل من قال بنجاسة سؤر الحمر (3) بما روي، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال يوم الخيبر في الحمر: (إنه رجس) (4) وهو ضعيف، فإن البخاري قال: راوي هذا الحديث ابن أبي حبيبة، وهو منكر الحديث (5)، وإبراهيم بن أبي يحيى، وهو