يمينه فشرب ثم ناوله أبا بكر فشرب وروى أن عائشة رضي الله عنها شربت من إناء في حال حيضها فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمه على موضع فمها حبا لها فشرب ولان سؤره متحلب من لحمه ولحمه طاهر فكان سؤره طاهرا الا في حال شرب الخمر لنجاسة فمه وقيل هذا إذا شرب الماء من ساعته فاما إذا شرب الماء بعد ساعة معتبرة ابتلع بزاقه فيها ثلاث مرات يكون طاهرا عند أبي حنيفة خلافا لهما بناء على مسئلتين إحداهما إزالة النجاسة الحقيقة عن الثوب والبدن بما سوى الماء من المائعات الطاهرة والثانية إزالة النجاسة الحقيقة بالغسل في الأواني ثلاث مرات وأبو يوسف مع أبي حنيفة في المسألة الأولى ومع محمد في المسألة الثانية لكن اتفق جوابهما في هذه المسألة لأصلين مختلفين أحدهما أن الصب شرط عند أبي يوسف ولم يوجد والثاني أن ما سوى الماء من المائعات ليس بطهور عند محمد وبعض أصحاب الظواهر كرهوا سؤر المشرك لظاهر قوله تعالى إنما المشركون نجس وعندنا هو محمول على نجاسة خبث الاعتقاد بدليل ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أنزل وفد ثقيف في المسجد وكانوا مشركين ولو كان عينهم نجسا لما فعل مع أمره بتطهير المسجد واخباره عن انزواء المسجد من النخامة مع طهارتها وكذا سؤر ما يؤكل لحمه من الانعام والطيور الا الإبل الجلالة والبقرة الجلالة والدجاجة المخلاة لان سؤره متولد من لحمه ولحمه طاهر وروى أن النبي صل الله عليه وسلم توضأ بسؤر بعير أو شاة الا انه يكره سؤر الإبل الجلالة والبقرة الجلالة والدجاجة المخلاة لاحتمال نجاسة فمها ومنقارها لأنها تأكل النجاسة حتى لو كانت محبوسة لا يكره (وصفة) الدجاجة المحبوسة أن لا يصل منقارها إلى ما تحت قدميها فإن كان يصل فهي مخلاة لان احتمال بحث النجاسة قائم وأما سؤر الفرس فعلى قول أبى يوسف ومحمد طاهر لطهارة لحمه وعن أبي حنيفة روايتان كما في لحمه في رواية الحسن نجس كلحمه وفي ظاهر الرواية طاهر كلحمه وهي رواية أبى يوسف عنه وهو الصحيح لان كراهة لحمه لا لنجاسته بل لتقليل ارهاب العدو وآلة الكر والفر وذلك منعدم في السؤر والله أعلم (وأما) السؤر المختلف في طهارته ونجاسته فهو سؤر الخنزير والكلب وسائر سباع الوحش فإنه نجس عند عامة العلماء وقال مالك طاهر وقال الشافعي سؤر السباع كلها طاهر سوى الكلب والخنزير (أما) الكلام مع مالك فهو يحتج بظاهر قوله تعالى وهو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا أباح الانتفاع بالأشياء كلها ولا يباح الانتفاع الا بالطاهر الا أنه حرم أكل بعض الحيوانات وحرمة الاكل لا تدل على النجاسة كالآدمي وكذا الذباب والعقرب والزنبور ونحوها طاهرة ولا يباح أكلها الا أنه يجب غسل الإناء من ولوغ الكلب مع طهارته تعبدا ولنا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه ثلاثا وفى رواية خمسا وفي رواية سبعا والامر بالغسل لم يكن تعبدا إذ لا قربة تحصل بغسل الأواني الا ترى أنه لو لم يقصد صب الماء فيه في المستقبل لا يلزمه الغسل فعلم أنه لنجاسته ولان سؤر هذه الحيوانات متحلب من لحومها ولحومها نجسة ويمكن التحرز عن سؤرها وصيانة الأواني عنها فيكون نجسا ضرورة (وأما) الكلام مع الشافعي فهو يحتج بما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل فقيل أنتوضأ بما أفضلت الحمر فقال نعم وبما أفضلت السباع كلها وعن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المياه التي بين مكة والمدينة وما يردها من السباع فقال صلى الله عليه وسلم لها ما حملت في بطونها وما بقي فهو لنا شراب وطهور وهذا نص (ولنا) ما روى عن عمر وعمرو بن العاص انهما وردا حوضا فقال عمرو بن العاص لصاحب الحوض اترد السباع حوضكم فقال عمر رضي الله عنه يا صاحب الحوض لا تخبرنا ولو لم يتنجس الماء القليل بشربها منه لم يكن للسؤال ولا للنهي معنى ولان هذا حيوان غير مأكول اللحم ويمكن صون الأواني عنها ويختلط بشربها لعابها بالماء ولعابها نجس لتحلبه من لحمها وهو نجس فكان سؤرها نجسا كسؤر الكلب والخنزير بخلاف الهرة لان صيانة الأواني عنها غير تمكن وتأويل الحديثين انه كان قبل تحريم لحم السباع أو السؤال وقع عن المياه الكثيرة وبه نقول إن مثلها لا ينجس (واما) السؤر المكروه فهو سؤر سباع الطير كالبازي والصقر والحدأة ونحوها
(٦٤)