أو اليهود أو نحو ذلك. قال الأذرعي: ويشبه أن يكون المعاهد والمستأمن كالذمي إن حل بدارنا ما دام فيها، فإذا رجع صرف إلى من بعده. وقال الزركشي، مقتضى كلامهم أنه كالحربي، وجزم به الدميري، والأول أوجه. ولم يتعرضوا لما لو لحق الذمي الموقوف عليه بدار الحرب ماذا يفعل بغلة الموقوف عليه، وينبغي أن تصرف إلى من بعده أخذا من كلام الأذرعي المتقدم. و (لا) يصح الوقف على (مرتد وحربي و) لا وقف الشخص على (نفسه في الأصح) المنصوص في الثلاثة، أما في الأولى والثانية فلأنهما لا دوام لهما مع كفرهما، والوقف صدقة جارية، فكما لا يوقف ما لا دوام له لا يوقف على من لا دوام له، أي مع كفره، فلا يرد الزاني المحصن فإنه يصح الوقف عليه مع أنه مقتول.
والثاني: يصح عليهما كالذمي. ونص المصنف في كتب التنبيه على الخلاف بقوله: وقفت على زيد الحربي أو المرتد كما يشير إليه كلام الكتاب. أما إذا وقف على الحربيين أو المرتدين فلا يصح قطعا. وأما الثالثة فلتعذر تمليك الانسان ملكه لنفسه لأنه حاصل، وتحصيل الحاصل محال. والثاني: يصح، لأن استحقاق الشئ وقفا غير استحقاقه ملكا.
ومثل وقفه على نفسه ما لو وقف على الفقراء وشرط أن يأخذ معهم من ريع الوقف لفساد الشرط. وقول عثمان رضي الله تعالى عنه في وقفه بئر رومة: دلوي فيها كدلاء المسلمين ليس على سبيل الشرط، بل إخبار بأن للواقف أن ينتفع بوقفه العام كالصلاة بمسجد وقفه. ولو وقف على نفسه وحكم به حاكم نفذ حكمه ولم ينقض لأنها مسألة اجتهادية. ويستثنى من عدم صحة الوقف على النفس مسائل، منها ما لو وقف على العلماء ونحوهم كالفقراء واتصف بصفتهم، أو على الفقراء ثم افتقر، أو على المسلمين كأن وقف كتابا للقراءة ونحوها أو قدرا للطبخ فيه أو كيزانا للشرب بها ونحو ذلك فله الانتفاع معهم لأنه لم يقصد نفسه. ومنها ما لو وقف على أولاد أبيه الموصوفين بكذا وذكر صفات نفسه فإنه يصح كما قاله القاضي الفارقي وابن يونس وغيرهما، واعتمده ابن الرفعة وإن خالف فيه الماوردي ومنها ما لو شرط النظر لنفسه بأجرة المثل، لأن استحقاقه لها من جهة العمل لا من جهة الوقف، فينبغي أن لا تستثنى هذه الصورة، فإن شرط النظر بأكثر منها لم يصح الوقف لأنه وقف على نفسه. ومنها أن يؤجر ملكه مدة يظن أن لا يعيش فوقها منجمة ثم يقفه بعد على ما يريد، فإنه يصح الوقف ويتصرف هو في الأجرة كما أفتى به ابن الصلاح وغيره، والأحوط أن يستأجره بعد الوقف من المستأجر لينفرد باليد ويأمن خطر الدين على المستأجر. ومنها أن يرفعه إلى حاكم يرى صحته كما عليه العمل الآن، فإنه لا ينقض حكمه كما مر، ولو وقف وقفا ليحتج عنه منه جاز كما قاله الماوردي، وليس هذا وقفا على نفسه لأنه لا يملك شيئا من غلته، فإن ارتد لم يجز صرفه في الحج وصرف إلى الفقراء، فإن عاد إلى الاسلام أعيد الوقف إلى الحج عنه، ولو وقف على الجهاد عنه جاز أيضا، فإن ارتد فالوقف على حاله لأن الجهاد يصح من المرتد بخلاف الحج. ثم شرع في القسم الثاني، فقال: (وإن وقف) مسلم أو ذمي (على جهة معصية، كعمارة الكنائس) ونحوها من متعبدات الكفار للتعبد فيها أو حصرها أو قناديلها أو خدامها أو كتب التوراة والإنجيل أو السلاح لقطاع الطريق، (فباطل) لأنه إعانة على معصية، والوقف شرع للتقرب فهما متضادان، وسواء فيه إنشاء الكنائس وترميمها منعنا الترميم أو لم نمنعه. ولا يعتبر تقييد ابن الرفعة عدم صحة الوقف على الترميم بمنعه، فقد قال السبكي: أنه وهم فاحش لاتفاقهم على أن الوقف على الكنائس باطل وإن كانت قديمة قبل البعثة، فإذا لم نصحح الوقف عليها ولا على قناديلها وحصرها فكيف نصححه على ترميمها وإذا قلنا ببطلان وقف الذمي على الكنائس، ولم يترافعوا إلينا لم نتعرض لهم حيث لا يمنعون من الاظهار، فإن ترافعوا إلينا أبطلناه وإن أنفذه حاكمهم لا ما وقفوه قبل المبعث على كنائسهم القديمة فلا نبطله بل نقره حيث نقرها. أما عمارة كنائس غير التعبد ككنائس نزول المارة فيصح الوقف عليها كما قاله الزركشي وابن الرفعة وغيرهما كالوصية كما سيأتي. (أو) وقف على (جهة قربة) أي يظهر قصد القربة فيها، لقرينة قوله بعد: أو جهة لا تظهر فيها القربة وإلا فالوقف كله قربة. (كالفقراء والعلماء) والقراء والمجاهدين (والمساجد)