لآخره، لأنه وصل به ما يرفعه فأشبه قوله: له علي ألف لا تلزمني. والثاني: لا يلزمه شئ، لأن الكل كلام واحد فتعتبر جملته ولا يتبعض، كقوله: لا إله إلا الله لا يكون كفرا وإيمانا، أما إذا فصله عن الاقرار فيلزمه جزما. ولو قدمه كقوله: له علي من ثمن خمر ألف لم يلزمه جزما كما في الروضة وأصلها. وظاهر إطلاقهم في مسألة التقديم أنه لا فرق بين المسلم والكافر ، لأن الكفار إذا ترافعوا إلينا إنما نقرهم على ما نقرهم عليه لو أسلموا. ولو قال: كان من ثمن خمر فظننته يلزمني حلف المقر له على نفيه رجاء أن يقر أو يرد اليمين عليه، فيحلف المقر أو لا يلزمه. قال الإمام: وكنت أود لو فصل بين أن يكون المقر جاهلا بأن ثمن الخمر لا يلزمه وبين أن يكون عالما فيعذر الجاهل دون العالم، لكن لم يصر إليه أحد من الأصحاب. وقال الأذرعي: كنت أود لو فصل فاصل بين أن يكون المقر يرى جواز بيع الكلب الصائد كما هو مذهب جماعة من العلماء، وبين أن لا يكون كذلك، بل كثير من عوامنا الذين لا مذهب لهم يظنون جواز بيعه ولزوم ثمنه اه. لكن فائدة ذلك التحليف كما مر كما لو أقر بأنه لا دعوى له على عمرو ثم خصص ذلك في شئ كأن قال: إنما أردت في عمامته وقميصه لا في داره وبستانه فإنه لا يقبل، وله تحليف المقر له أنه ما علمه قصد ذلك. (ولو قال): له علي ألف ووصله بقوله: (من ثمن عبد) أو هذا العبد مثلا، ثم قال ولو منفصلا: (لم أقبضه) سواء قال: (إذا سلمه سلمت) أم لا، وأنكر المقر له البيع وطلب الألف، (قبل على المذهب) لأن ما ذكره آخر إلا يرفع ما قبله، (وجعل ثمنا) أي أجري عليه أحكامه حتى لا يجبر على التسليم إلا بعد قبض العبد. والطريق الثاني: طرد القولين في المسألة قبلها، أحدهما لا يقبل عملا بأول كلامه.
تنبيه: قوله: من ثمن عبد لا بد من ذكره متصلا كما مر، فإن فصله لم يقبل. وقوله: إذا سلمه سلمت لا حاجة إليه كما تقرر، وكذا قوله: وجعل ثمنا مع قبول دعواه أنه ثمن، ولهذا لم يذكره في الروضة. وإنما نكر المصنف العبد ولا فرق بين تنكيره وتعريفه كما قدرته في كلامه، لأن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه يوافق عند التعريف ويخالف عند التنكير، فأشار إلى النص على خلافه. ولو قال: اشتريت من زيد عبدا بألف إن سلم سلمت قبل جزما كما قاله البغوي وغيره، أو قال: أقرضني ألفا ثم ادعى أنه لم يقبضه قبل قوله كما قال الماوردي، وظاهره أنه لا فرق بين أن يذكره متصلا أو منفصلا، لكن في الشامل: إن قاله منفصلا لا يقبل، وهذا أوجه. ثم شرع في القسم الثاني وهو بيان التعليق بالمشيئة، فقال: (ولو قال: له علي ألف إن شاء الله) أو: إن لم يشأ الله، أو: إلا أن يشاء الله، أو: إن شئت، أو: إن شاء فلان، (لم يلزمه شئ على المذهب) سواء أقدم الألف على المشيئة أم لا، لأنه لم يجزم بالالتزام بل علقه بالمشيئة، ومشيئة الله تعالى وعدمها مغيبة عنا، ومشيئة غير الله لا توجب شيئا. وقال الثاني إنه على القولين في قوله من ثمن خمر، لأن آخره يرفع أوله. وفرق الأول بأن دخول حرف الشرط على الجملة يصير الجملة جزءا من الجملة الشرطية، وحينئذ يلزم تغيير معنى أول الكلام، وقوله من ثمن خمر لا يغير ذلك بل هو لبيان جهته فلا يلزم من إلغاء الاقرار عند التعليق وعدم تبعيضه حذرا من جعله جزء الجملة جملة برأسها أن يتبعض في الخمر ونحوه. ولو قال: له علي ألف إن جاء رأس الشهر مثلا لم يلزمه لما مر، إلا إن قصد التأجيل ولو بأجل فاسد فيلزمه ما أقر به، ولكن من عقب إقراره بذكر أجل صحيح متصل ثبت الاجل بخلاف ما إذا لم يذكره صحيحا كقوله: إذا قدم زيد، وما إذا كان صحيحا لكن ذكره منفصلا.
تنبيه: يشترط قصد الاستثناء قبل فراغ الاقرار، وأن يتلفظ به بحيث يسمع من يقر به، وأن لا يقصد بمشيئة الله تعالى التبرك. ولو قال ابتداء: كان له علي ألف قضيته لم يلزمه شئ لأنه لم يلتزم في الحال شيئا، ولو واطأ الشهود على الاقرار بما ليس عنده أو عليه ثم أقر بشئ لزمه ما أقر به كقوله: له علي الألف لا يلزمني. (ولو قال): له علي (ألف لا يلزم لزمه) لأنه غير منتظم فلا يبطل به الاقرار، وكذا لو قال: له علي