يريد: فدرهم لازم لي أو أجود منه، ومثله لا ينقدح في الطلاق، وبأن الانشاء أقوى وأسرع نفوذا، ولهذا يتعدد اللفظ به في يومين بخلاف الاقرار. واعترض الرافعي الفرق الأول بأنه قد يريد: فطالق مهجورة أو لا تراجع أو خير منك أو نحوه.
وأجيب بأن ذلك صرف للصريح عن مقتضاه. أما إذا أراد بالفاء العطف فيلزمه درهمان كما في العطف بالواو. ومثل الطلاق الثمن، فلو قال: بعتك بدرهم فدرهم فقبل لزمه درهمان لأنه إنشاء لا إخبار. (ولو قال: له) علي (درهم ودرهم ودرهم لزمه بالأولين درهمان) لاقتضاء العطف التغاير كما مر، (وأما الثالث، فإن أراد) به (تأكيد الثاني) بعاطفه (لم يجب به شئ) عملا بنيته، (وإن نوى) به (الاستئناف لزمه ثالث) عملا بإرادته، (وكذا إن نوى) به (تأكيد الأول أو أطلق) بأن لم ينو به شيئا (في الأصح) لأن التأكيد في الأول ممنوع للفصل والعطف، ولهذا اتفقوا على لزوم درهمين في قوله: درهم ودرهم، ومقابل الأصح فيها يلزمه درهمان، لأن الثاني في قوله: درهم ودرهم معطوف على الأول فامتنع تأكيده، وهنا الثالث معطوف على الثاني على رأي فأمكن أن يؤكد الأول به. وأما الثانية فلان تأكيد الثاني بالثالث وإن كان جائزا ، لكنه إذا دار اللفظ بين التأسيس والتأكيد كان حمله على التأسيس أولى، فعلى هذا لو كرر ألف مرة فأكثر لزمه بعدد ما كرر. ومقابل الأصح فيها يلزمه درهمان، لأنه وإن كان الأصل التأسيس لكن عارضه كون الأصل براءة الذمة فتعارضا فتساقطا، فلم يبق للثالث مقتض فاقتصرنا على الدرهمين.
تنبيه: لو عبر في الثانية بالمذهب كما في الروضة لكان أولى فإن الأكثرين قطعوا بها، وقيل: قولان كنظيره من الطلاق.
وفرق الأولون بأن التأكيد في الطلاق أكثر لأنه يقصد به التخويف والتهديد، والعطف ب ثم كالواو فيما ذكر، لكن لو عطف ب ثم في الثالث، كقوله: درهم ودرهم ثم درهم لزمه ثلاثة بكل حال، إذ لا بد من اتفاق حرف العطف في المؤكد والمؤكد.
فروع: لو قال: له علي درهم بل درهم أو: لا بل أو: لكن درهم لزمه درهم، لأنه ربما قصد الاستدراك فتذكر أنه لا حاجة إليه فقصد الأول. وإن قال: له علي درهم بل درهمان أو: لا بل أو: لكن درهمان لزمه درهمان لتعذر نفي ما قيل بل أو لكن لاشتمال ما بعدها عليه. فإن قيل: لو قال أنت طالق طلقه بل طلقتين لزمه ثلاث، فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الطلاق إنشاء، فإذا أنشأ طلقة ثم أضرب عنها إلى إنشاء طلقتين لا يمكن إنشاء إعادة الأولى مع الثانية، لأن تحصيل الحاصل محال والاقرار إخبار، فإذا أخبر بالبعض ثم أضرب عن الاخبار به إلى الاخبار بالكل جاز دخول البعض في الكل. هذا إذا لم يعين الدرهمين ولم يختلف الجنس، فإن عينهما أو اختلف الجنس كقوله: له هذا الدرهم بل هذان الدرهمان أو هل علي درهم لا بل دينار لزمه ثلاثة دراهم في الأول ودرهم ودينار في الثاني لعدم دخول ما قبل بل فيما بعدها، ولا يقبل رجوعه عنه، وكاختلاف الجنس اختلاف النوع والصفة. ولو قال: له علي درهمان بل درهم أو: لا بل درهم أو: درهم ودرهم بل درهم لزمه درهمان مؤاخذة له بإقراره الأول. ولو قال: له علي درهم ودرهمان لزمه ثلاثة دراهم، ولو قال: له علي درهم مع درهم أو: فوق أو تحت درهم أو: معه أو فوقه أو تحته درهم لزمه درهم فقط لأنه ربما يريد: مع أو فوق أو تحت درهم لي، أو: معه أو فوقه أو تحته درهم لي، أو يريد: فوقه في الجودة وتحته في الرداءة ومعه في أحدهما. ويلزمه درهمان فيما لو قال: له علي درهم قبل أو بعد درهم أو قبله أو بعده درهم لاقتضاء القبلية والبعدية المغايرة وتعذر التأكيد. وفرقوا بين الفوقية والتحتية وبين القبلية والبعدية بأنهما يرجعان إلى المكان فيتصف بهما نفس الدرهم، والقبلية والبعدية يرجعان إلى الزمان ولا يتصف بهما نفس الدرهم، فلا بد من أمر يرجع إليه التقدم والتأخر، وليس إلا الوجوب عليه. وهنا اعتراض للرافعي ذكرته في الجواب عنه في شرح