التوكيل (في تملك المباحات كالاحياء والاصطياد والاحتطاب في الأظهر) لأنها أحد أسباب الملك، فأشبه الشراء فيحصل الملك للموكل إذا قصده الوكيل له. والثاني: المنع، والملك فيها للوكيل، لأن سبب الملك وهو وضع اليد قد وجد منه فلا ينصرف عنه بالنية.
تنبيه: هذا الخلاف مخرج، فتارة يعبر عنه بالقولين كما هنا، وتارة بالوجهين كما في أصل الروضة. ولا يصح التوكيل في الالتقاط كما في الاغتنام، فلو وكله فيه فالتقطه كان له دون الموكل تغليبا لشائبة الولاية لا لشائبة الاكتساب. و (لا) يصح (في الاقرار في الأصح) بأن يقول: وكلتك لتقر عني لفلان بكذا فيقول الوكيل: أقررت عنه بكذا ، أو جعلته مقرا بكذا، لأنه إخبار عن حق فلا يقبل التوكيل كالشهادة، والثاني: يصح، لأنه قول يثبت به الحق فأشبه الشراء. وعلى الأول يكون الموكل مقرا لاشعار ذلك بثبوت ذلك الحق عليه. وقيل: ليس بإقرار كما أن التوكيل بالابراء ليس بإبراء، ومحل الخلاف إذا قال: وكلتك لتقر عني لفلان بكذا كما مثلته، فلو قال: أقر عني لفلان بألف له علي كان إقرارا قطعا، ولو قال: أقر له علي بألف لم يكن إقرارا قطعا، صرح به صاحب التعجيز. (ويصح) التوكيل (في استيفاء عقوبة آدمي كقصاص وحد قذف) كسائر الحقوق، بل قد يجب التوكيل في حد القذف، وكذا في قطع الطرف كما ذكره المصنف في موضعه.
تنبيه قد يفهم كلامه المنع في حدود الله تعالى، وليس مرادا بل يجوز للإمام لما في الصحيحين من قوله (ص) في قصة ماعز: اذهبوا به فارجموه وفي غيرها: واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها. وكذا من السيد في حد رقيقه، وإنما يمتنع إثباتها لبنائها على الدرء. نعم قد يقع إثباتها بالوكالة تبعا بأن يقذف شخص آخر فيطالبه بحد القذف، فله أن يدرأ عن نفسه بإثبات زناه بالوكالة وبدونها، فإذا ثبت أقيم عليه الحد. ومحل صحة التوكيل فيما ذكره المصنف إذا وكله بعد الثبوت، فإن وكله قبله ففيه وجهان حكاهما الماوردي، والظاهر منهما عدم الصحة. (وقيل لا يجوز) استيفاؤها (إلا بحضرة الموكل) لاحتمال العفو في الغيبة فلا يمكن تداركه بخلاف غيره. ورد بأن احتمال العفو كاحتمال رجوع الشهود فيما إذا ثبت ببينة، فإنه لا يمتنع الاستيفاء في غيبتهم.
تنبيه: المحكي بقيل قول من طريقة، والثانية القطع به، والثالثة القطع بمقابله. والثالث من الشروط العلم بما يجوز فيه التوكيل بوجه ما، وقد أشار إلى ذلك بقوله: (وليكن الموكل فيه معلوما من بعض الوجوه) حيث يقل معه الغرر، (ولا يشترط علمه من كل وجه) لأن تجويز الوكالة للحاجة يقتضي المسامحة فيه فيكفي أن يكون معلوما من وجه يقل معه الغرر للوكيل، بخلاف ما إذا كثر. (فلو قال وكلتك في كل قليل وكثير) لي أو من أموري (أو في كل أموري أو فوضت إليك كل شئ) أو أنت وكيلي فتصرف كيف شئت، أو نحو ذلك، (لم يصح) التوكيل لكثرة الغرر فيه.
تنبيه: قضية كلامهم عدم الصحة في ذلك وإن كان تابعا لمعين، وهو كذلك، وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين، إذ يدخل في هذا أمور لو عرض تفصيلها على الموكل كطلاق زوجاته وعتق أرقائه والتصدق بجميع ماله لاستنكره، وقد منع الشارع بيع الغرر وهو أخف خطرا من هذا. وقد علم بذلك الفرق بين هذا وبين ما مر فيما يصح تبعا. (وإن قال) وكلتك (في بيع أموالي) وقبض ديوني واستيفائها (وعتق أرقائي) ورد ودائعي ومخاصمة خصمائي ونحو ذلك، (صح) وإن جهل الأموال والديون ومن هي عليه، والأرقاء والودائع ومن هي عنده، والخصوم وما فيه الخصومة، لأن الغرر فيه قليل، بخلاف ما لو قال: بع بعض مالا أو طائفة أو سهما منه، أو بع هذا أو هذا، فإنه لا يصح لكثرة