المكاتب بإذن سيده لا بدونه كسائر تبرعاته. ويؤخذ مما مر أنه لو ضمن سيده صح. وأما العبد الموقوف، فقال في المطلب: ينبغي أن يجزم بعدم صحة ضمانه إذا قلنا بالمشهور أنه لا يصح عتقه لعدم فائدته. قال: والظاهر أن الموصى برقبته دون منفعته أو بالعكس كالقن، لكن هل المعتبر إذن مالك الرقبة أو المنفعة؟ يشبه أن يكون فيه خلاف يلتفت إلى أن ضمان القن يتعلق برقبته أو بذمته أو بكسبه. قال الأذرعي: وفيه نظر، لأنه إذا أوصى بمنفعته أبدا فلا سبيل إلى التعلق بكسبه بإذن مالك الرقبة بمفرده، فأما أن يعتبر إذنهما جميعا أو لا يصح اه. والأوجه كما قال شيخي اعتبار إذنهما لأن الضمان يتعلق بالأكساب النادرة وهي لمالك الرقبة، خلافا لبعض المتأخرين من أن الأوجه اعتبار إذن الموصى له بالمنفعة بناء على الشق الأخير من كلام المطلب. ويصح ضمان المرأة بغير إذن زوجها كسائر تصرفاتها. ثم شرع في شرط المضمون له وهو الركن الثاني، فقال: (والأصح اشتراط معرفة المضمون له) وهو مستحق الدين لتفاوت الناس في استيفاء الدين تشديدا وتسهيلا، وأفتى ابن الصلاح وغيره بأن معرفة وكيل المضمون له كمعرفته وابن عبد السلام وغيره بخلافه، وجرى بين ابن الصلاح وابن عبد السلام في ذلك محاورات. والأول أوجه لأن كثيرا من الناس لا يوكل إلا من هو أشد منه في الطلب فيكون الموكل أسهل منه في ذلك غالبا. وقال الأذرعي: الظاهر المختار الصحة لأن أحكام العقد تتعلق بالوكيل، وقد وقع الاجماع الفعلي على المعاملة للأيتام والمحجورين الذين لا يعرفهم المدين بحال والمماراة فيه جمود لا يليق ب ابن عبد السلام فمن دونه اه. والثاني: لا يشترط لظاهر الآية وحديث أبي قتادة المتقدم، فإنه ضمن لمن لا يعرفه، ولأنه (ص) لم يسأله هل يعرفه أو لا فكان على عمومه.
تنبيه: قوله: معرفة المضمون له، أي معرفة الضامن والمضمون له كما أفصح به في التنبيه والحاوي، فأضاف المصدر إلى المفعول وهو قليل. قال في المطلب: والمراد معرفته بالعين لا الاسم والنسب كما دل عليه كلام الماوردي ولا المعاملة كما قاله صاحب المعين. (و) الأصح على الأول (أنه لا يشترط قبوله) للضمان (و) لا (رضاه) لعدم التعرض لذلك في حديث أبي قتادة السابق. والثاني: يشترط الرضا ثم القبول لفظا. والثالث: يشترط الرضا دون القبول لفظا.
تنبيه: لو زاد لا قبل رضاه كما قدرتها تبعا للمحرر لكان أولى، لأن المقصود نفي كل منهما، ومع حذفها لا يستفاد إلا نفي الهيئة الاجتماعية، وحينئذ فيصدق الكلام بالوجه الثالث. ثم شرع في ذكر المضمون عنه حرا كان أو رقيقا موسرا أو معسر وهو الركن الثالث، فقال: (ولا يشترط رضا المضمون عنه) وهو المدين (قطعا لأن قضاء دين الغير بغير إذنه جائز فالتزامه أولى وكما يصح الضمان عن الميت اتفاقا وإن لم يخلف وفاء. (ولا معرفته في الأصح) قياسا على رضاه، إذ ليس ثم معاملة. والثاني: يشترط ليعرف هل هو موسر أو ممن يبادر إلى قضاء دينه أو يستحق اصطناع المعروف أو لا.
ورد بأن اصطناع المعروف لأهله ولغير أهله معروف. ثم شرع في شرط المضمون وهو الركن الرابع، فقال: (ويشترط في المضمون) وهو الدين أو العين المضمونة، (كونه) حقا (ثابتا) حال العقد، فلا يصح ضمان ما لم يجب سواء أجرى سبب وجوبه، كنفقة ما بعد اليوم للزوجة وخادمها، أم لا كضمان ما سيقرضه لفلان، لأن الضمان وثيقة بالحق فلا يسبقه كالشهادة، فيصح بنفقة اليوم للزوجة وما قبله لثبوته لا بنفقة القريب لمستقبل كما مر في نفقة الزوجة. وفي يومه وجهان: صحح الأذرعي وغيره منهما المنع أيضا لأن سبيلها سبيل البر والصلة لا سبيل الديون، ولهذا تسقط بمضي الزمان وضيافة الغير.
ويكفي في ثبوت الحق اعتراف الضامن لا ثبوته على المضمون عنه، فلو قال شخص: لزيد على عمرو مائة وأنا ضامنه فأنكر عمرو فلزيد مطالبة القائل في الأصح، ذكره الرافعي في الاقرار بالنسب.
تنبيه: قوله: ثابتا صفة لموصوف محذوف: أي حقا ثابتا كما قدرته في كلامه، وهو ما صرح به الرافعي في كتبه والمصنف في الروضة، فيشمل الأعيان المضمونة كما قدرته في كلامه أيضا، وسيأتي التنبيه عليها، والدين سواء كان مالا أم عملا في الذمة بالإجارة، بخلاف الرهن فإنه لما لم يصح على الأعيان، صرح فيه بالدين، فقال هناك: ويشترط كونه