مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ١٨٠
عليه شيئا فأنكره أو سكت ثم صالح عنه. (فيبطل إن جرى على نفس المدعى) كأن يدعي عليه دارا فيصالح عليها بأن يجعلها للمدعي أو للمدعى عليه كما يصدق بذلك عبارة المصنف، وكلا الصورتين باطل. وفي الروضة وأصلها إن جرى على غير المدعى كأن يصالحه عن الدار بثوب أو دين. قال الشارح: وكأن نسخة المصنف من المحرر عين فعبر عنها بالنفس ولم يلاحظ موافقة ما في الشرح، فهما مسألتان حكمهما واحد اه‍. ويريد بذلك دفع اعتراض المصحح فإنه قال:
الصواب التعبير بالغير. وقال الدميري: عبارة المحرر غير وكأن الراء تصحفت على المصنف بالنون فعبر عنها بالنفس.
فإن قيل: التعبير بالنفس لا يستقيم لأن على والباء يدخلان على المأخوذ ومن وعن علي المتروك. أجيب بأن ذلك جرى على الغالب كما مرت الإشارة إليه، وبأن المدعى المذكور مأخوذ ومتروك باعتبارين، غايته أن إلغاء الصلح في ذلك للانكار ولفساد الصيغة باتحاد العوضين. وإنما امتنع الصلح على غير إقرار خلافا للأئمة الثلاثة قياسا على ما لو أنكر الخلع والكتابة ثم تصالحا على شئ. ولان المدعي إن كان كاذبا فقد استحل من المدعى عليه ماله وهو حرام، وإن كان صادقا فقد حرم عليه ماله الحلال، فدخل في قوله (ص): إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا. فإن قيل: الصلح لم يحرم الحلال ولم يحلل الحرام بل هو على ما كان عليه من التحريم والتحليل. أجيب بأن الصلح هو المجوز له الاقدام على ذلك في الظاهر، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فسيأتي. ولو أقيمت عليه بينة بعد الانكار جاز الصلح كما قاله الماوردي، لأن لزوم الحق بالبينة كلزومه بالاقرار. ولو أقر ثم أنكر جاز الصلح، وإذا تصالحا ثم اختلفا في أنهما تصالحا على إقرار أو إنكار، فالذي نص عليه الشافعي أن القول قول مدعي الانكار لأن الأصل أن لا عقد. فإن قيل: لو تنازع المتعاقدان هل وقع العقد صحيحا أو فاسدا كان القول قول مدعي الصحة كما مر فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الظاهر والغالب جريان البيع على الصحة، والغالب وقوع الصلح على الانكار، ولو ادعى عليه عينا فقال: رددتها عليك ثم صالحه، وقال البغوي في فتاويه: إن كانت في يده أمانة، لم يصح الصلح، لأن القول قوله فيكون صلحا على إنكار، وإن كانت مضمونة فقوله في الرد غير مقبول وقد أقر بالضمان فيصح الصلح، ويحتمل بطلانه فإنه لم يقر أن عليه شيئا اه‍.
والأول أظهر. وإن صالح على الانكار فإن كان المدعي محقا فيحل له فيما بينه وبين الله تعالى أن يأخذ ما يبذل له، قاله الماوردي، وهو صحيح في صلح الحطيطة وفيه فرض كلامه. وما إذا صالح عن غير المدعى ففيه ما يأتي في مسألة الظفر، قاله الأسنوي، قال: ولو أنكر فصولح ثم أقر كان الصلح باطلا قاله الماوردي. فإن قيل: إذا أقر بأنه كان ملكا للمصالح حال الصلح، فينبغي الصحة لاتفاقهما على أن العقد جرى بشروطه في علمهما أو في نفس الامر. أجيب بأن شرط صحة الصلح الاقرار وهو منتف حال العقد. ويصح إبراء المنكر ولو بعد التحليف، ولو تصالحا بعد التحليف لم يصح كما لو تصالحا قبله. (وكذا) يبطل الصلح (إن جرى على بعضه في الأصح) أي المدعى كما لو كان على غير المدعى. والثاني:
يصح لاتفاقهما على أن البعض مستحق للمدعى ولكنهما مختلفان في جهة الاستحقاق واختلافهما في الجهة لا يمنع الاخذ.
ويستثنى من محل الوجهين ما إذا كان المدعى دينا وتصالحا عن ألف على خمسمائة في الذمة فإنه لا يصح جزما لأن الصحيح إنما هو تقدير الهبة وإيراد الهبة على ما في الذمة ممتنع، بخلاف ما إذا صالحه على خمسمائة معينة فإنه لا يصح في الأصح.
ويستثنى من بطلان الصلح على الانكار مسائل: منها اصطلاح الورثة فيما وقف بينهم كما سيأتي، إذ لم يبذل أحد عوضا من خالص ملكه. ومنها ما إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة ومات قبل الاختيار، أو طلق إحدى زوجتيه ومات قبل البيان أو التعيين ووقف الميراث بينهن فاصطلحن. ومنها ما لو تداعيا وديعة عند رجل فقال لا أعلم لأيكما هي، أو دارا في يدهما فأقام كل بينة ثم اصطلحا. (وقوله) بعد إنكاره: (صالحني على الدار) مثلا (التي تدعيها، ليس إقرارا في الأصح) لاحتمال أن يريد قطع الخصومة لا غير. والثاني: إقرار لتضمنه الاعتراف، كما لو قال: ملكي. ودفع بما مر. وعلى الأول يكون الصلح بعد هذا الالتماس صلح إنكار. أما إذا قال ذلك ابتداء قبل إنكاره فإنه يبطل جزما، ولو قال: بعني
(١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429