عليه شيئا فأنكره أو سكت ثم صالح عنه. (فيبطل إن جرى على نفس المدعى) كأن يدعي عليه دارا فيصالح عليها بأن يجعلها للمدعي أو للمدعى عليه كما يصدق بذلك عبارة المصنف، وكلا الصورتين باطل. وفي الروضة وأصلها إن جرى على غير المدعى كأن يصالحه عن الدار بثوب أو دين. قال الشارح: وكأن نسخة المصنف من المحرر عين فعبر عنها بالنفس ولم يلاحظ موافقة ما في الشرح، فهما مسألتان حكمهما واحد اه. ويريد بذلك دفع اعتراض المصحح فإنه قال:
الصواب التعبير بالغير. وقال الدميري: عبارة المحرر غير وكأن الراء تصحفت على المصنف بالنون فعبر عنها بالنفس.
فإن قيل: التعبير بالنفس لا يستقيم لأن على والباء يدخلان على المأخوذ ومن وعن علي المتروك. أجيب بأن ذلك جرى على الغالب كما مرت الإشارة إليه، وبأن المدعى المذكور مأخوذ ومتروك باعتبارين، غايته أن إلغاء الصلح في ذلك للانكار ولفساد الصيغة باتحاد العوضين. وإنما امتنع الصلح على غير إقرار خلافا للأئمة الثلاثة قياسا على ما لو أنكر الخلع والكتابة ثم تصالحا على شئ. ولان المدعي إن كان كاذبا فقد استحل من المدعى عليه ماله وهو حرام، وإن كان صادقا فقد حرم عليه ماله الحلال، فدخل في قوله (ص): إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا. فإن قيل: الصلح لم يحرم الحلال ولم يحلل الحرام بل هو على ما كان عليه من التحريم والتحليل. أجيب بأن الصلح هو المجوز له الاقدام على ذلك في الظاهر، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فسيأتي. ولو أقيمت عليه بينة بعد الانكار جاز الصلح كما قاله الماوردي، لأن لزوم الحق بالبينة كلزومه بالاقرار. ولو أقر ثم أنكر جاز الصلح، وإذا تصالحا ثم اختلفا في أنهما تصالحا على إقرار أو إنكار، فالذي نص عليه الشافعي أن القول قول مدعي الانكار لأن الأصل أن لا عقد. فإن قيل: لو تنازع المتعاقدان هل وقع العقد صحيحا أو فاسدا كان القول قول مدعي الصحة كما مر فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الظاهر والغالب جريان البيع على الصحة، والغالب وقوع الصلح على الانكار، ولو ادعى عليه عينا فقال: رددتها عليك ثم صالحه، وقال البغوي في فتاويه: إن كانت في يده أمانة، لم يصح الصلح، لأن القول قوله فيكون صلحا على إنكار، وإن كانت مضمونة فقوله في الرد غير مقبول وقد أقر بالضمان فيصح الصلح، ويحتمل بطلانه فإنه لم يقر أن عليه شيئا اه.
والأول أظهر. وإن صالح على الانكار فإن كان المدعي محقا فيحل له فيما بينه وبين الله تعالى أن يأخذ ما يبذل له، قاله الماوردي، وهو صحيح في صلح الحطيطة وفيه فرض كلامه. وما إذا صالح عن غير المدعى ففيه ما يأتي في مسألة الظفر، قاله الأسنوي، قال: ولو أنكر فصولح ثم أقر كان الصلح باطلا قاله الماوردي. فإن قيل: إذا أقر بأنه كان ملكا للمصالح حال الصلح، فينبغي الصحة لاتفاقهما على أن العقد جرى بشروطه في علمهما أو في نفس الامر. أجيب بأن شرط صحة الصلح الاقرار وهو منتف حال العقد. ويصح إبراء المنكر ولو بعد التحليف، ولو تصالحا بعد التحليف لم يصح كما لو تصالحا قبله. (وكذا) يبطل الصلح (إن جرى على بعضه في الأصح) أي المدعى كما لو كان على غير المدعى. والثاني:
يصح لاتفاقهما على أن البعض مستحق للمدعى ولكنهما مختلفان في جهة الاستحقاق واختلافهما في الجهة لا يمنع الاخذ.
ويستثنى من محل الوجهين ما إذا كان المدعى دينا وتصالحا عن ألف على خمسمائة في الذمة فإنه لا يصح جزما لأن الصحيح إنما هو تقدير الهبة وإيراد الهبة على ما في الذمة ممتنع، بخلاف ما إذا صالحه على خمسمائة معينة فإنه لا يصح في الأصح.
ويستثنى من بطلان الصلح على الانكار مسائل: منها اصطلاح الورثة فيما وقف بينهم كما سيأتي، إذ لم يبذل أحد عوضا من خالص ملكه. ومنها ما إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة ومات قبل الاختيار، أو طلق إحدى زوجتيه ومات قبل البيان أو التعيين ووقف الميراث بينهن فاصطلحن. ومنها ما لو تداعيا وديعة عند رجل فقال لا أعلم لأيكما هي، أو دارا في يدهما فأقام كل بينة ثم اصطلحا. (وقوله) بعد إنكاره: (صالحني على الدار) مثلا (التي تدعيها، ليس إقرارا في الأصح) لاحتمال أن يريد قطع الخصومة لا غير. والثاني: إقرار لتضمنه الاعتراف، كما لو قال: ملكي. ودفع بما مر. وعلى الأول يكون الصلح بعد هذا الالتماس صلح إنكار. أما إذا قال ذلك ابتداء قبل إنكاره فإنه يبطل جزما، ولو قال: بعني