ينقسم إلى معاوضة وحطيطة كالعين، وأفهم أنه لا يشترط قبض الباقي في المجلس، لأنه لم يجعل هذا العقد معاوضة بل إبراء. وهل يعود الدين إذا امتنع المبرأ من أداء الباقي أم لا؟ وجهان أصحهما عدم العود. (ويصح بلفظ الابراء والحط ونحوهما) كالوضع والاسقاط، لما في الصحيحين عن كعب بن مالك: طلب من عبد الله بن أبي حدرد دينا له عليه، فارتفعت أصواتهما في المجلس حتى سمعهما رسول الله (ص) فخرج إليهما ونادى: يا كعب فقال: لبيك يا رسول الله فأشار بيده أن ضع الشطر، فقال: قد فعلت، فقال (ص): قم فاقضه. وإذا جرى ذلك بصيغة الابراء:
كأبرأتك من خمسمائة من ألف الذي لي عليك أو نحوهما مما تقدم، كوضعتها أو أسقطتها عنك لا يشترط القبول على المذهب، سواء أقلنا الابراء إسقاط أم تمليك. (و) يصح (بلفظ الصلح في الأصح) كصالحتك عن الألف الذي لي عليك على خمسمائة، والخلاف كالخلاف في الصلح من العين على بعضها بلفظ الصلح، فيؤخذ توجيهه مما تقدم. وهل يشترط القبول في هذه الحالة؟ فيه خلاف مدركه مراعاة اللفظ أو المعنى، والأصح على ما دل عليه كلام الشيخين هنا اشتراطه، ولا يصح هذا الصلح بلفظ البيع كنظيره في الصلح عن العين.
تنبيه: مقتضى كلام المصنف البطلان فيما لو كانت الخمسمائة المصالح بها معينة، وهو ما رجحه القاضي والامام، وقطع به القفال، وصوبه في المهمات، وجرى عليه ابن المقري، لأن تعيينها يقتضي كونها عوضا فيصير بائعا الألف بخمسمائة.
ومقتضى كلام أصل الروضة الصحة، وجرى عليه البغوي والمتولي والخوارزمي، وهو المعتمد لأن الصلح من الألف على بعضه إبراء للبعض واستيفاء للباقي، فلا فرق بين المعين وغيره. (ولو صالح من) دين (حال على مؤجل مثله) جنسا وقدرا وصفة، (أو عكس) أي صالح مؤجل على حال مثله كذلك، (لغا) الصلح لأنه وعد في الأولى من الدائن بإلحاق الاجل، وصفة الحلول لا يصح إلحاقها، وفي الثانية وعد من المديون بإسقاط الاجل، وهو لا يسقط. والصحة والتكسير كالحلول والتأجيل. (فإن عجل) الدين (المؤجل صح الأداء) وسقط الاجل لصدور الايفاء والاستيفاء من أهلهما. نعم إن ظن المؤدي صحة الصلح لم يسقط الاجل واسترد ما عجله، كمن ظن أن عليه دينا فأداه فبان خلافه فإنه يسترد كما قال السبكي قطعا. وهذه المسألة فرد من أفراد قاعدة متكررة، وهي إذا شرط عليه شئ من التصرفات لا يلزمه الوفاء به كما لو شرط بيعا في بيع ففعل المشروط عليه جاهلا ببطلان العقد المشروط كأن أتى بالبيع الثاني، فهل ينفذ لكونه تصرفا صحيحا في نفسه أو لا لكونه وفاء بالشرط الفاسد؟ فيه خلاف. وقد اضطرب الترجيح في هذه القاعدة كما بينه في المهمات، ثم قال: وقد تظافرت نصوص الشافعي على البطلان، فلتكن الفتوى عليه ولا عبرة بما عداه. (ولو صالح من عشرة حالة على خمسة مؤجلة برئ من خمسة وبقيت خمسة حالة) لأنه سامح بحط البعض ووعد بتأجيل الباقي، والوعد لا يلزم، والحط صحيح. (ولو عكس) بأن صالح من عشرة مؤجلة على خمسة حالة، (لغا) الصلح لأن صفة الحلول لا يصح إلحاقها، والخمسة الأخرى إنما تركها في مقابلة ذلك، فإن لم يحصل الحلو لا يصح الترك، والصحة والتكثير كالحلول والتأجيل.
تنبيه: قد علم مما تقرر أن أقسام الصلح ستة: البيع، والإجارة، والعارية، والهبة، والسلم، والابراء. وبقي منها أشياء أخرى منها الخلع ك صالحتك من كذا على أن تطلقني طلقة. ومنها المعاوضة من دم العمد ك صالحتك من كذا على ما تستحقه على من قصاص. ومنها الجعالة ك صالحتك من كذا على رد عبدي. ومنها الفداء كقوله للحربي: صالحتك من كذا على إطلاق هذا الأسير. ومنها الفسخ كأن صالح من السلم فيه على رأس المال وكأنه تركها كغيره لاخذها مما ذكر.
(النوع الثاني: الصلح على الانكار) أو السكوت من المدعى عليه كما قاله في المطلب عن سليم الرازي وغيره، كأن ادعى