العين التي تدعيها أو هبنيها أو زوجني هذه الأمة أو أبرئني مما تدعيه، فإقرار لأنه صريح في التماس التملك. أو قال: أعرني أو أجرني لم يكن إقرارا في أحد وجهين يظهر كما قال شيخنا ترجيحه، لأن الانسان قد يستعير ملكه ويستأجره من مستأجره.
ولكن يظهر كما قال شيخنا أيضا أنه إقرار بأنه مالك للمنفعة. ولو قال: صالحني عن دعواك فليس بإقرار جزما. (القسم الثاني) من الصلح (يجري بين المدعي والأجنبي. فإن قال) الأجنبي (وكلني المدعى عليه في الصلح) عن المدعى به، (وهو مقر لك) به في الظاهر أو فيما بيني وبينه ولم يظهره خوفا من أخذ المالك له كما صرح بالقسمين في المحرر، (صح) الصلح بينهما لأن دعوى الانسان الوكالة في المعاملات مقبولة، ومحله كما قال الامام والغزالي إذا لم يدع المدعى عليه الانكار بعد دعوى الوكالة، فإن ادعاه كان عزلا فلا يصح الصلح عنه. ثم إن كان المدعى عينا وصالح على بعض المدعى أو على عين للمدعى عليه أو على دين في ذمة المدعى عليه صح وصار المصالح عنه ملكا للموكل له إن كان الأجنبي صادقا في الوكالة، وإلا فهو شراء فضولي، وقد مر حكمه في كتاب البيع. ويرد على إطلاق اعتبار الاقرار ما لو قال الأجنبي: وكلني في المصالحة لقطع الخصومة وأنا أعلم أنه لك فإنه يصح الصلح في الأصح عند الماوردي، وجزم به في التنبيه وأقره في التصحيح وجريت عليه في شرحه. قال في الروضة: ولو قال: هو منكر ولكنه مبطل فصالحني له على عبدي هذا لتنقطع الخصومة بينكما وكان المدعى دينا، فإن المذهب صحة الصلح، وإن كان المدعى عينا لم يصح على الأصح، والفرق أنه لا يمكن تمليك الغير عين مال بغير إذن ويمكن قضاء دينه بغير إذنه. ولو صالح الوكيل عن الموكل على عين مال نفسه أو على دين في ذمته بإذنه صح العقد ووقع للآذن ويرجع المأذون عليه بالمثل في المثلي والقيمة في المتقوم، لأن المدفوع قرض لا هبة. وخرج بقول المصنف:
وكلني إلخ ما لو تركه فهو شراء فضولي فلا يصح كما مر. وبقوله: وهو مقر لك ما لو اقتصر على قوله وكلني في مصالحتك، فلا يصح بناء على الأصح في أن قوله صالحني عما تدعيه ليس إقرارا. ولو كان المدعى دينا فقال الأجنبي: وكلني المدعى عليه بمصالحتك على نصفه أو ثوبه فصالحه، صح كما لو كان المدعى عينا. أو: على ثوبي هذا لم يصح لأنه بيع شئ بدين غيره، وهذا هو المعتمد كما جزم به ابن المقري تبعا للمصنف، خلافا للزركشي ومن تبعه في التسوية بين الدين والعين.
تنبيه: يرد على إطلاق المصنف اعتبار التوكيل ما لو قال الأجنبي صالحني عن الألف الذي لك على فلان على خمسمائة فإنه يصح سواء أكان بإذنه أم لا، لأنه قضاء دين غيره بغير إذنه جائز، قاله في زيادة الروضة. (ولو صالح) الأجنبي عن العين (لنفسه) بعين ماله أو بدين في ذمته، (والحالة هذه) أي أن الأجنبي قائل بأنه مقر لك بالمدعى أو نحو ذلك مما مر، (صح) الصلح للأجنبي وإن لم تجر معه خصومة، لأن الصلح ترتب على دعوى وجواب خلافا للجويني في قوله: يأتي فيه الخلاف فيما إذا قال من غير سبق خصومة صالحني. (وكأنه اشتراه) بلفظ الشراء. أما إذا صالح الأجنبي عن الدين ففيه الخلاف في بيع الدين لغير من عليه، ولو قال: صالحني عن الألف الذي لك على فلان على خمسمائة صح ولو بلا إذن لجواز الاستقلال بقضاء دين الغير كما مر.
تنبيه: أشار المصنف بقوله: وكأنه اشتراه إلى اشتراط كونه بيد المدعى عليه بوديعة أو عارية أو نحو ذلك مما يجوز بيعه معه، فلو كان مبيعا قبل القبض لم يصح. وعبارة الروضة: كما لو اشتراه، قال ابن الملقن: وهي أولى من عبارة الكتاب لأنه شراء حقيقة فلا معنى للتشبيه اه. والظاهر كما قال ابن شهبة أن التشبيه في كلتا العبارتين، فليست إحداهما أولى من الأخرى. (وإن كان) المدعى عليه (منكرا وقال الأجنبي هو مبطل في إنكاره) لأنك صادق عندي فصالحني لنفسي، فإن كان المدعى به عينا (فهو شراء مغصوب فيفرق بين قدرته على انتزاعه) فيصح، (وعدمها) فلا يصح.