والحاكم وصححه. ولو كان اليتيم ببلد وماله في آخر فالولي قاضي بلد المال لأن الولاية عليه ترتبط بما له كمال الغائبين، لكن محله في تصرفه فيه بالحفظ والتعهد بما يقتضيه الحال مع الغبطة اللائقة إذا أشرف على التلف. أما تصرفه فيه بالتجارة والاستنماء فالولاية عليه لقاضي بلد اليمين لأنه وليه في النكاح فكذا في المال كما نقله في أصل الروضة عن الغزالي وأقره. قال شيخنا: ووقع للأسنوي عزو ما يخالف ذلك إلى الروضة وأصلها فاحذره. قال الأذرعي: وعلى ما في أصل الروضة فلقاضي بلده العدل الأمين أن يطلب من قاضي بلد ماله إحضاره إليه عند أمن الطريق لظهور المصلحة له فيه، وليتجر له فيه ثم، أو يشتري له به عقارا، ويجب على قاضي بلد المال إسعافه بذلك. وحكم المجنون حكم الصبي في ترتيب الأولياء، وكذا من بلغ سفيها.
تنبيه: قضية تعبيره بالصبي أنه لا ولاية للمذكورين على مال الأجنة، وصرحا به في الفرائض في الكلام على ميراث الحمل لكن بالنسبة إلى الحاكم فقط، ومثله البقية. قال الجرجاني: وإذا لم يوجد أحد من الأولياء المذكورين فعلى المسلمين النظر في حال محجورهم وتولي حفظ ماله (ولا تلي الام في الأصح) كولاية النكاح. والثاني: تلي بعد الأب والجد وتقدم على وصيهما لكمال شفقتها. وكذا لا ولاية لسائر العصبات كالأخ والعم. نعم لهم الانفاق من مال الطفل في تأديبه وتعليمه وإن لم يكن لهم عليه ولاية لأنه قليل فسومح به، قاله في المجموع في إحرام الولي عن الصبي. قال شيخنا: ومثله المجنون والسفيه اه. أما السفيه فواضح، وأما المجنون ففيه نظر. نعم إن حمل على من له نوع تمييز فهو ظاهر ولعله مراده. (ويتصرف) له (الولي بالمصلحة) وجوبا، لقوله تعالى: * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) * وقوله تعالى: * (وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح) *. وقضية كلامه كأصله أن التصرف الذي لا خير فيه ولا شر ممنوع منه، إذ لا مصلحة فيه، وهو كذلك كما صرح به الشيخ أبو محمد والماوردي. ويجب على الولي حفظ مال الصبي عن أسباب التلف واستنماؤه قدر ما تأكله المؤن من نفقة وغيرها إن أمكن، ولا تلزمه المبالغة. ولو خاف الولي استيلاء ظالم على مال اليتيم فله بذل بعضه لتخليصه وجوبا، ويستأنس له بخرق السيد الخضر السفينة. وإذا كان للصبي أو السفيه كسب، أي يليق به، أجبره الولي على الاكتساب ليرتفق به في ذلك، وندب أن يشتري له العقار بل هو أولى من التجارة إذا حصل من ريعه الكفاية كما قاله الماوردي، هذا إن لم يخف جورا من سلطان أو غيره، أو خرابا للعقار ولم يجد به ثقل خراج. وله أن يسافر بمال الصبي والمجنون وقت الامن، والتسفير به مع ثقة ولو بلا ضرورة من نحو حريق أو نهب لأن المصلحة قد تقتضي ذلك لا في نحو بحر وإن غلبت السلامة لأنه مظنة عدمها. قال الأسنوي:
ولا يركب بالصبي البحر وإن غلبت سلامته كماله. وفرق غيره بأنه إنما حرم ذلك في ماله لمنافاته غرض ولايته عليه في حفظه وتنميته بخلافه هو فيجوز أن يركبه البحر إذا غلبت السلامة، كما يجوز إركاب نفسه، والفرق أظهر، والصواب كما قال الأذرعي عدم تحريم إركاب البهائم والأرقاء والحامل عند غلبة السلامة، خلافا للأسنوي في الجميع. (ويبني دوره) ومساكنه (بالطين والآجر) أي الطوب المحرق، لأن الطين قليل المؤنة وينتفع به بعد النقض والآجر يبقى. (لا اللبن) أي الطوب الذي لم يحرق، (والجص) أي الجبس، لأن اللبن قليل البقاء ويتكسر عند النقض والجبس كثير المؤن ولا تبقى منفعته عند النقض بل يلصق بالطوب فيفسده.
تنبيه: قوله: والجص بالواو هي عبارة المحرر والروضة والشرح الصغير، وعبارة الكبيرة: أو الجص بأو، وهي أولى لأنها تدل على الامتناع في اللبن سواء أكان مع الطين أم الجص، وعلى الامتناع في الجص سواء أكان مع اللبن أم الآجر، وهو كذلك. ويفهم المنع فيما عداهما. والمجنون والسفيه كالصبي فيما ذكر. وما ذكره من اقتصار البناء بالطين والآجر نص عليه الشافعي وجرى عليه الجمهور. واختار كثير من الأصحاب جواز البناء على عادة البلد كيف كان، واختاره الروياني واستحسنه الشاشي، والقلب إليه أميل. وفي البيان بعدما نقل ما ذكره المصنف عن النص: وهذا في البلاد التي يعز فيها وجود الحجارة، فإن كان في بلد توجد فيه الحجارة كانت أولى من الآجر لأنها أكثر بقاء وأقل