عكسه، بدليل أن الاحرام مانع من ولاية النكاح ولا يسلب، ولهذا يزوج الحاكم دون الابعد. (واعتبار الأقوال) له وعليه في الدين والدنيا كالاسلام والمعاملات لعدم قصده، وسكت المصنف عن الافعال. فمنها ما هو معتبر كإحباله وإتلافه مال غيره وتقرير المهر بوطئه، وترتب الحكم على إرضاعه والتقاطه واحتطابه واصطياده وعمده عمد على الصحيح، أي:
حيث كان له نوع تمييز. ومنها ما هو غير معتبر كالصدقة والهدية، ولو أحرم شخص ثم جن فقتل صيدا ليلزمه جزاؤه كما مر في بابه، والصبي كالمجنون في الأقوال والافعال إلا أن الصبي المميز يعتبر قوله في إذن الدخول وإيصال الهدية، ويصح إحرامه بإذن وليه كما مر في بابه، وتصح عبادته، وله إزالة المنكر ويثاب عليه كالبالغ، قاله في زيادة الروضة في باب الغصب. وأما إسلام سيدنا علي رضي الله تعالى عنه فكان الحكم إذ ذاك منوطا بالتمييز. وألحق القاضي بالمجنون النائم والأخرس الذي لا يفهم. قال الأذرعي: وفيه نظر، إذ لا يتخيل أحد أن النائم يتصرف عليه وليه، وأما الأخرس المذكور فإنه لا يعقل، وإن احتيج إلى إقامة أحد مقامه فينبغي أن يكون هو الحاكم اه. وهو كما قال، وإنما ألحقه به في عدم صحة تصرفه فلا ولي له مطلقا، وإن قال بعض المتأخرين: لعل كلام القاضي محمول على نائم أحوج طول نومه إلى النظر في أمره وكان الايقاظ يضره مثلا. (ويرتفع) حجر المجنون (بالإفاقة) من الجنون من غير احتياج إلى فك، وقضيته عود الولايات واعتبار الأقوال، نعم لا تعود ولاية القضاء ونحوه إلا بولاية جديدة. (وحجر الصبي يرتفع ببلوغه رشيدا) لقوله تعالى: * (وابتلوا اليتامى) * الآية، والابتلاء الاختبار والامتحان، والرشد ضد الغي كما مر في خطبة الكتاب، وفي سنن أبي داود:
لا يتم بعد الاحتلام والمراد من إيناس الرشد العلم به. وأصل الايناس الابصار، ومنه: * (آنس من جانب الطور نارا) *: أي أبصر.
تنبيه: قوله: رشيدا عبر به جماعة، ومنهم من قال بالبلوغ. قال الشيخان: ليس هذا اختلافا محققا بل من قال بالأول أراد الاطلاق الكلي، ومن قال بالثاني أراد حجر الصبا، وهذا أولى لأن الصبا سبب مستقل بالحجر، وكذا التبذير وأحكامهما متغايرة، ومن بلغ مبذرا فحكم تصرفه حكم تصرف السفيه لا حكم تصرف الصبي اه. قال الأسنوي:
كلام الكتاب لا يستقيم إن قرئ بلفظ الصبا بكسر الصاد وإن قرئ بفتحها استقام، لكنه بعيد عن كلامه اه. قال ابن شهبة: والمحفوظ قراءته بفتحها ولا بعد فيه فليتأمل اه. ولو بلغ وادعى الرشد وأنكره وليه لم ينفك الحجر عنه، ولا يحلف الولي كالقاضي والقيم بجامع أن كلا أمين ادعى انعزاله، ولان الرشد يوقف عليه بالاختبار فلا يثبت بقوله. قال الأذرعي: ولان الأصل يعضد قوله، بل الظاهر أيضا، لأن الظاهر في قريب العهد بالبلوغ عدم الرشد، فالقول قوله في دوام الحجر إلا أن تقوم بينة بالرشد. (والبلوغ) يحصل إما (باستكمال خمس عشرة سنة) قمرية كما صرح به في المحرر، تحديدية كما قاله المصنف في الأصول والضوابط، وكما يؤخذ من كلامه الآتي لخبر ابن عمر: عرضت على النبي (ص) يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني ولم يرني بلغت، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني ورآني بلغت رواه ابن حبان وأصله في الصحيحين، وابتداؤها من انفصال جميع الولد. والمراد بقول ابن عمر: وأنا ابن أربع عشرة سنة، أي طعنت فيها، وبقوله: وأنا ابن خمس عشرة سنة، أي استكملتها، لأن غزوة أحد كانت في شوال سنة ثلاث، والخندق كان في جمادى سنة خمس.
فائدة: قال القمولي: قال الشافعي: رد النبي (ص) سبعة عشر من الصحابة وهم أبناء أربعة عشر لأنه لم يرهم بلغوا، ثم عرضوا عليه وهم أبناء خمسة عشر فأجازهم، منهم زيد بن ثابت ورافع بن خديج وابن عمر. (أو خروج المني) لوقت إمكانه من ذكر أو أنثى، لقوله تعالى: * (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا) *، ولخبر: رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يحتلم. والحلم الاحتلام، وهو لغة ما يراه النائم، والمراد به هنا خروج المني في نوم أو يقظة بجماع أو غيره، وقيل: لا يكون في النساء لأنه نادر فيهن.