مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ١٥٥
والتحقيق كما قال شيخنا أن وجوب ذلك ليس لايفاء الدين بل للخروج من المعصية، وليس الكلام فيه. فإن قيل:
يجب الاكتساب في نفقة القريب مع أن الدين أقوى منها فإنها تسقط بمضي الزمان بخلافه، فهلا كان ذلك مثلها أجيب بأن قدر النفقة يسير والدين لا ينضبط قدره، وأيضا نفقة القريب فيها إحياء بعضه فلزمه الاكتساب له كما يلزمه الاكتساب لاحياء نفسه بخلاف الدين قال ابن الرفعة: هذا كله في الحر، أما الرقيق المأذون له في التجارة إذا قسم ما بيده للغرماء وبقي عليه دين وقلنا يتعلق دين التجارة بكسبه وهو الأصح لزمه أن يكتسب للفاضل اه‍. وفيه نظر. ولا يمكن المفلس من تفويت حاصل لمنافاته غرض الحجر، فليس له ولا لوارثه العفو عن المال الواجب بجناية لما فيه من تفويت الحاصل.
(والأصح وجوب إجارة أم ولده والأرض الموقوفة عليه) مثلا لبقية الدين لأن منافعها كالأعيان، ولهذا يضمنان بقوتهما في يد الغاصب بخلاف منافع الحر فيصرف بدلهما إلى الدين ويؤجران مرة بعد أخرى إلى البراءة، فإن المنافع لا نهاية لها.
قال الرافعي: ومقتضى هذا إدامة الحجر إلى البراءة، وهو كالمستبعد. قال البلقيني: ليس هذا مقتضاه وإنما مقتضاه أحد أمرين: إما أن ينفك الحجر بالكلية، وإما أن ينفك بالنسبة إلى غير الموقوف والمستولدة ويبقى فيهما، وتبعه الأسنوي على ذلك. قال الزركشي: والمراد إذا كان يحصل منهما ما يزيد على قدر نفقته ونفقة من يمونه قبل قسمة المال فإنها يقدمان في المال الحاصل فالمنزل منزلته أولى اه‍. لكن إنما تقدم نفقته ونفقة من يمونه قبل قسمة المال. وقياسه أن يقال:
ينفق عليه وعلى من يمونه من أجرة أم الولد والموقوف عليه أن يؤجر. والثاني: لا تجب، لأن المنفعة لا تعد مالا حاصلا.
قال الأذرعي: والظاهر أن الموصى بمنفعته له كالمستولدة والموقوف. قال في الروضة: وأفتى الغزالي بأنه يجبر على إجارة الموقوف، أي بأجرة معجلة، ما لم يظهر تفاوت بسبب تعجيل الأجرة إلى حد لا يتغابن به الناس في غرض قضاء الدين والتخلص من المطالبة اه‍. ومثله المستولدة، ومحله في الوقف إذا لم يكن شرط الوقف في إجارته شرطا فإن شرط شيئا اتبع، قاله القاضي أبو بكر الشاشي في فتاويه.
تنبيه: لو قال المصنف: والموقوف عليه لكان أخصر وأشمل. (وإذا ادعى) المدين (أنه معسر، أو قسم ماله بين غرمائه وزعم أنه لا يملك غيره وأنكروا) ما زعمه (فإن لزمه الدين في معاملة مال كشراء أو قرض فعليه البينة) بإعساره في الصورة الأولى، وبأنه لا يملك غيره في الثانية، لأن الأصل بقاء ما وقعت عليه المعاملة. وقضية التوجيه المذكور أن المراد بالمال ما يبقى، أما ما لا يبقى كاللحم فالظاهر أنه كالقسم الآتي.
تنبيه: قضية كلامه أن الاعسار لا يثبت باليمين المردودة، وليس مرادا فإنه لو ادعى على غريمه علمه بإفلاسه أو تلف ماله حلف على نفيه، فإن نكل حلف وثبت إفلاسه. وقضيته أيضا أنه لا يكفي علم القاضي بإعساره، وبه صرح الامام، قال: لأنه ظن لا علم. لكن ذكر الشيخان في الكلام على القضاء بالعلم هو الظن المؤكد مدلوله الحقيقي، وقضيته أنه يقتضي به هنا وهو الظاهر. (وإلا) بأن لزمه الدين لا في معاملة مال، (فيصدق بيمينه في الأصح) سواء لزمه باختياره كضمان وصداق أم بغير اختياره كأرش جناية وغرامة متلف، لأن الأصل العدم. وهذا التعليل يدل على أن صورة المسألة فيمن لم يعرف له مال قبل ذلك، ولذا قال في التنبيه: فإن كان قد عرف له مال قبل ذلك حبس إلى أن يقيم البينة على إعساره. والثاني: لا يصدق إلا ببينة، لأن الظاهر من حال الحر أنه يملك شيئا، وكذا علله الرافعي، واعترضه في الكفاية بأن هذا التعليل لا يستقيم فيما إذا قسم ماله، لأن مقتضى الظاهر قد تحقق وعمل به.
والثالث: إن لزمه الدين باختياره لم يصدق إلا ببينة، أو بغير اختياره صدق بيمينه. والفرق أن الظاهر أنه لا يشغل ذمته باختياره بما لا يقدر عليه. ومحل التفصيل المذكور ما إذا لم يسبق منه إقرار بالملاءة، فلو أقر بها ثم ادعى الاعسار ففي
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429