والتحقيق كما قال شيخنا أن وجوب ذلك ليس لايفاء الدين بل للخروج من المعصية، وليس الكلام فيه. فإن قيل:
يجب الاكتساب في نفقة القريب مع أن الدين أقوى منها فإنها تسقط بمضي الزمان بخلافه، فهلا كان ذلك مثلها أجيب بأن قدر النفقة يسير والدين لا ينضبط قدره، وأيضا نفقة القريب فيها إحياء بعضه فلزمه الاكتساب له كما يلزمه الاكتساب لاحياء نفسه بخلاف الدين قال ابن الرفعة: هذا كله في الحر، أما الرقيق المأذون له في التجارة إذا قسم ما بيده للغرماء وبقي عليه دين وقلنا يتعلق دين التجارة بكسبه وهو الأصح لزمه أن يكتسب للفاضل اه. وفيه نظر. ولا يمكن المفلس من تفويت حاصل لمنافاته غرض الحجر، فليس له ولا لوارثه العفو عن المال الواجب بجناية لما فيه من تفويت الحاصل.
(والأصح وجوب إجارة أم ولده والأرض الموقوفة عليه) مثلا لبقية الدين لأن منافعها كالأعيان، ولهذا يضمنان بقوتهما في يد الغاصب بخلاف منافع الحر فيصرف بدلهما إلى الدين ويؤجران مرة بعد أخرى إلى البراءة، فإن المنافع لا نهاية لها.
قال الرافعي: ومقتضى هذا إدامة الحجر إلى البراءة، وهو كالمستبعد. قال البلقيني: ليس هذا مقتضاه وإنما مقتضاه أحد أمرين: إما أن ينفك الحجر بالكلية، وإما أن ينفك بالنسبة إلى غير الموقوف والمستولدة ويبقى فيهما، وتبعه الأسنوي على ذلك. قال الزركشي: والمراد إذا كان يحصل منهما ما يزيد على قدر نفقته ونفقة من يمونه قبل قسمة المال فإنها يقدمان في المال الحاصل فالمنزل منزلته أولى اه. لكن إنما تقدم نفقته ونفقة من يمونه قبل قسمة المال. وقياسه أن يقال:
ينفق عليه وعلى من يمونه من أجرة أم الولد والموقوف عليه أن يؤجر. والثاني: لا تجب، لأن المنفعة لا تعد مالا حاصلا.
قال الأذرعي: والظاهر أن الموصى بمنفعته له كالمستولدة والموقوف. قال في الروضة: وأفتى الغزالي بأنه يجبر على إجارة الموقوف، أي بأجرة معجلة، ما لم يظهر تفاوت بسبب تعجيل الأجرة إلى حد لا يتغابن به الناس في غرض قضاء الدين والتخلص من المطالبة اه. ومثله المستولدة، ومحله في الوقف إذا لم يكن شرط الوقف في إجارته شرطا فإن شرط شيئا اتبع، قاله القاضي أبو بكر الشاشي في فتاويه.
تنبيه: لو قال المصنف: والموقوف عليه لكان أخصر وأشمل. (وإذا ادعى) المدين (أنه معسر، أو قسم ماله بين غرمائه وزعم أنه لا يملك غيره وأنكروا) ما زعمه (فإن لزمه الدين في معاملة مال كشراء أو قرض فعليه البينة) بإعساره في الصورة الأولى، وبأنه لا يملك غيره في الثانية، لأن الأصل بقاء ما وقعت عليه المعاملة. وقضية التوجيه المذكور أن المراد بالمال ما يبقى، أما ما لا يبقى كاللحم فالظاهر أنه كالقسم الآتي.
تنبيه: قضية كلامه أن الاعسار لا يثبت باليمين المردودة، وليس مرادا فإنه لو ادعى على غريمه علمه بإفلاسه أو تلف ماله حلف على نفيه، فإن نكل حلف وثبت إفلاسه. وقضيته أيضا أنه لا يكفي علم القاضي بإعساره، وبه صرح الامام، قال: لأنه ظن لا علم. لكن ذكر الشيخان في الكلام على القضاء بالعلم هو الظن المؤكد مدلوله الحقيقي، وقضيته أنه يقتضي به هنا وهو الظاهر. (وإلا) بأن لزمه الدين لا في معاملة مال، (فيصدق بيمينه في الأصح) سواء لزمه باختياره كضمان وصداق أم بغير اختياره كأرش جناية وغرامة متلف، لأن الأصل العدم. وهذا التعليل يدل على أن صورة المسألة فيمن لم يعرف له مال قبل ذلك، ولذا قال في التنبيه: فإن كان قد عرف له مال قبل ذلك حبس إلى أن يقيم البينة على إعساره. والثاني: لا يصدق إلا ببينة، لأن الظاهر من حال الحر أنه يملك شيئا، وكذا علله الرافعي، واعترضه في الكفاية بأن هذا التعليل لا يستقيم فيما إذا قسم ماله، لأن مقتضى الظاهر قد تحقق وعمل به.
والثالث: إن لزمه الدين باختياره لم يصدق إلا ببينة، أو بغير اختياره صدق بيمينه. والفرق أن الظاهر أنه لا يشغل ذمته باختياره بما لا يقدر عليه. ومحل التفصيل المذكور ما إذا لم يسبق منه إقرار بالملاءة، فلو أقر بها ثم ادعى الاعسار ففي