مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٢ - الصفحة ١١٨
كأقرضني يقوم مقام القبول كما في البيع.
تنبيه: ظاهر كلامه أن الايجاب لا خلاف فيه، وليس مرادا، فقد قال القاضي والمتولي: الايجاب والقبول ليسا بشرط، بل إذا قال أقرضني كذا فأعطاه إياه أو بعث إليه رسولا فبعث إليه المال صح القرض. قال الأذرعي: والاجماع الفعلي عليه وهو الأقوى والمختار، ومن اختار صحة البيع بالمعاطاة كالمصنف قياسه اختيار القرض بها وأولى بالصحة. قال الغزي: وهو سهو، لأن شرط المعاطاة بذل العوض والتزامه في الذمة وهو مفقود هنا. ثم شرع في الركن الثاني فقال: (و) يشترط (في المقرض) بكسر الراء، زيادة على ما مر في البيع، (أهلية التبرع) فيما يقرضه لأن القرض فيه شائبة تبرع، ولو كان معاوضة محضة لجاز للولي غير القاضي قرض مال موليه لغير ضرورة واللازم باطل. وأما القاضي فيجوز له من غير ضرورة، وإن صحح السبكي منعه بشرط يسار المقترض وأمانته، ويأخذ رهنا إن رأى ذلك، وله أن يقرض من مال المفلس إذا رضي الغرماء بتأخير القسمة إلى أن يجتمع المال كله كما نقل عن النص.
تنبيه: لم يتعرض المصنف كأصله لشرط المستقرض، ولا يشترط فيه إلا أهلية المعاملة. ويفهم من كلام المصنف أن الأعمى يصح قرضه واقتراضه إلا أن قبضه لا يكفي. وأورد على المصنف المحجور عليه بسفه، فإن تدبيره تبرع وكذا وصيته وتبرعه بمنفعة بدنه الخفيفة، ولا يصح إقراضه، فلو قال التبرع الناجز بالمال أو ما قدرته لخرج عن ذلك.
وقد يجاب بأن الألف واللام أفادت العموم، فكأنه قال أهلية جميع التبرعات. ثم شرع في الركن الثالث، فقال:
(ويجوز إقراض ما يسلم فيه) لصحة ثبوته في الذمة، ولأنه (ص) أقترض بكرا، وقيس غيره عليه.
وقضية كلامه صحة إقراض الدراهم والدنانير المغشوشة لصحة السلم فيها بناء على جواز المعاملة بها في الذمة وهو الراجح ولأنها مثلية، ولا فرق في ذلك بين أن يعرف قدر الغش أو لا، وإن قيده السبكي بما إذا عرف، ومنعه الروياني مطلقا، والمراد ما يسلم في نوعه، وإلا فالمعين لا يسلم فيه. والمقرض لا فرق فيه بين أن يكون معينا أو في الذمة حتى إذا قال أقرضتك ألفا وقيل المقترض ثم تفرقا ثم سلم إليه ألفا صح إن لم يطل الفصل لأن الظاهر أنه دفع الألف عن القرض، وإلا فلا يصح. وعلله في الروضة تبعا للمذهب، فقال: لأنه لا يمكن البناء مع طول الفصل. أما لو قال أقرضتك هذه الألف مثلا وتفرقا ثم سلمها إليه لم يضر وإن طال الفصل. (إلا الجارية التي تحل للمقترض) فلا يجوز إقراضها له ولو غير مشتهاة (في الأظهر) لأنه قد يطؤها ويردها، لأنه عقد جائز من الطرفين يثبت الرد والاسترداد فيصير في معنى إعارة الجواري للوطئ وهو ممتنع. وخرج بذلك ما لو جعل رأس المال جارية يحل للمسلم إليه وطؤها وكان المسلم فيه جارية أيضا فإن له أن يردها عن المسلم فيه كما تقدم لأن العقد لازم من الجهتين. والثاني: يجوز، قياسا على ما لو وهب ولده جارية يحل له وطؤها مع جواز استرجاع الأب لها بعد وطئ الولد. وأجاب الأول بأن عقد الهبة لازم من جهة المتملك، وبأن عقد القرض مدلوله إعطاء شئ والرجوع فيه أو في بدله فكان كالإعارة بخلاف الهبة. واحترز بقوله: تحل للمقترض عما لا تحل له لمحرمية أو تمجس أو نحوه، فإنه يجوز أن يقرضها له. وقضية كلامهم جواز إقراض الملاعنة للملاعن، إذ علة المنع خوف الوطئ والرد، وهي منتفية، وإن قال الأذرعي: الظاهر المنع لتحريم الخلوة وغيرها، وأن الأمة التي لا تحل له في الحال كأخت الزوجة وعمتها وخالتها كذلك. قال الأسنوي: وفيه نظر، والمتجه المنع، وكلام بعضهم يشعر به اه‍. وهو الظاهر. وفرق بين المجوسية ونحوها وبين هؤلاء بأنه يقدر على حل أخت زوجته وعمتها وخالتها بأن يطلق زوجته بخلاف حل المجوسية ونحوها، وقضية الفرق أن المطلقة ثلاثا يحل قرضها مطلقا، وأنه يمتنع أقراض الخنثى لامتناع السلم فيه وهو ظاهر. وما قيل من جواز إقراضه لأن المانع وهو كونه جارية لم يتحقق، قال الزركشي:
خطأ. ويجوز إقراض الأمة للخنثى كما قاله المصنف في شرح مسلم، وإن نظر فيه السبكي بأنه قد يصير واضحا فيطؤها ويردها، وأنه يمتنع على الملتقط تملك الجارية الملتقطة التي تحل له، وبه صرح الجرجاني. قال الأذرعي: وقد يفرق بأن ظهور المالك بعيد اه‍. والفرق أظهر. قال في الروضة: ولا يجوز إقراض المنافع لأنه لا يجوز السلم فيها. ويؤخذ
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب البيع 2
2 باب الربا 21
3 باب في البيوع المنهي عنها وغيرها 30
4 فصل فيما نهي عنه من البيوع 35
5 فصل في تفريق الصفقة وتعددها 40
6 باب الخيار 43
7 فصل في خيار الشرط 46
8 فصل في خيار النقيصة 50
9 فصل التصرية حرام الخ 63
10 باب في حكم المبيع ونحوه قبل القبض وبعده 65
11 باب التولية والإشراك والمرابحة 76
12 باب بيع الأصول والثمار وغيرهما 80
13 فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما 88
14 باب اختلاف المتبايعين 94
15 باب في معاملة الرقيق 98
16 كتاب السلم 102
17 فصل يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه الخ 106
18 فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه و وقت أداء المسلم فيه ومكانه 115
19 فصل في القرض 117
20 كتاب الرهن 121
21 فصل شرط المرهون به كونه دينا الخ 126
22 فصل فيما يترتب على لزوم الرهن 133
23 فصل إذا جنى المرهون الخ 140
24 فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به 142
25 فصل في تعليق الدين بالتركة 144
26 كتاب التفليس 146
27 فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما 150
28 فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه مما عامله به ولم يقبض عوضه 157
29 باب الحجر 165
30 فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله 173
31 باب الصلح 177
32 فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة 182
33 باب الحوالة 193
34 باب الضمان 198
35 فصل في كفالة البدن 203
36 فصل يشترط في الضمان والكفالة لفظ يشعر الخ 206
37 كتاب الشركة 211
38 كتاب الوكالة 217
39 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما 223
40 فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها 227
41 فصل الوكالة جائزة من الجانبين 231
42 كتاب الإقرار 238
43 فصل في الصيغة 243
44 فصل يشترط في المقربة أن لا يكون ملكا للمقر 245
45 فصل في بيان أنواع من الاقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء 251
46 فصل في الاقرار بالنسب 259
47 كتاب العارية 263
48 فصل لكل منهما رد العارية متى شاء الخ 270
49 كتاب الغصب 275
50 فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره 280
51 فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها 286
52 فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها 291
53 كتاب الشفعة 296
54 فصل فيما يؤخذ به الشقص وفى الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما 301
55 كتاب القراض 309
56 فصل يشترط لصحة القراض الخ 313
57 فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما 319
58 كتاب المساقاة 322
59 فصل فيما يشترط في عقد المساقاة 326
60 كتاب الإجارة 332
61 فصل يشترط كون المنفعة معلومة الخ 339
62 فصل في الاستئجار للقرب 344
63 فصل فيما يجب على مكري دار أو دابة 346
64 فصل في بيان الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك 349
65 فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيها 355
66 كتاب إحياء الموات 361
67 فصل في حكم المنافع المشتركة 369
68 فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض 372
69 كتاب الوقف 376
70 فصل في أحكام الوقف اللفظية 386
71 فصل في أحكام الوقف المعنوية 389
72 فصل في بيان النظر على الوقف وشرط الناظر ووظيفته 393
73 كتاب الهبة 396
74 كتاب اللقطة 406
75 فصل في بيان حكم الملتقط 409
76 فصل ويذكر ندبا بعض أوصافها 413
77 فصل فيما تملك به اللقطة 415
78 كتاب اللقيط 417
79 فصل في الحكم بإسلام اللقيط أو كفره بتبعية الدار وغيرها 422
80 فصل فيما يتعلق برق اللقيط وحريته واستلحاقه 425
81 كتاب الجعالة 429