ففي الجنس الواحد أولى كما تقدم وفى حديث أبي سعيد (ولا تبيعوا منها غائبا بناجز) وهذا صريح في منع الآجل في الجنس الواحد بل عمومه شامل لكل المذكور سواء كان جنسا أو جنسين وقد أخذ هذا الحكم أيضا من قوله صلى الله عليه وسلم (هاوها) (إما) لأن اللفظة تقتضي ذلك ابتداء (واما) لأنها تقتضي التقابض ومن ضرورته الحلول غالبا وأما فرض أجل يسير ينقض في المجلس فنادر غير مقصود ومنع الماوردي أخذه من هذا وقال هو والغزالي إنه مأخوذ من قوله عينا بعين إذ العين لا يدخل فيها الأجل ولا يمكنهما الوفاء بمقتضى هذا الاستدلال لأنهما وجميع الشافعية لا يشترطون التعيين بل يجوزون أن يرد على موصوف في الذمة كما سيأتي إن شاء الله تعالى لكنه قد يقال إنه غلب اطلاق الدينية في الأجل والعينية في مقابله وان لم يكن معينا وفى تسليم هذه الغلبة نظر والله أعلم * (الحكم الثالث) تحريم التفرق قبل التقابض ويسمى ذلك ربا اليد ويستوى في ذلك الجنس الواحد والجنسان (أما) في الذهب والورق فذلك مما لا خلاف فيه عن ابن المنذر قال أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد * وقال النووي في شرح مسلم جوز إسماعيل بن علية التفرق عند اختلاف الجنس وهو محجوج بالأحاديث والاجماع ولعله لم يبلغه الحديث ولو بلغه لما خالفه * وأما الطعام فقد خالف فيه أبو حنيفة رضي الله عنه وقال إنه إذا باع الطعام بعضه ببعض وافترقا من المجلس ثم تقابضا بعدم لم يضر العقد إلا إذا كان المبيع جزءا مشاعا من صبرة وفرق بينه وبين الصرف وفى الحقيقة ليس التقابض عنده من قاعدة الربا في شئ لا في الصرف ولا في الطعام وإنما اشترطه في الصرف لأجل التعيين فان من أصله ان الدارهم والدنانير لا تتعين بالتعيين وإنما تتعين بالقبض فلو تفرقا قبل القبض لصار دينار ولكان في ذلك بيع الكالئ بالكالئ وذلك منهى عنه على الاطلاق في الربويات وغيرها ويجعلون قوله يدا بيد لمنع النساء وقوله عينا بعين تأكيدا بخلاف ما يفعل أصحابنا وزعموا أن هذا احتمال يترك به الظاهر
(٦٩)