وكيف كان فالحكم بوجوب قتل من لم يسلم من غير أهل الكتاب بنحو الإطلاق مشكل بل ممنوع. فاللازم إحالة أمرهم إلى إمام المسلمين وحاكمهم فيراعي ما هو الأصلح. نعم، لا يتعين إقرارهم على دينهم بقبول الجزية منهم على نحو ما كان يتعين ذلك في أهل الكتاب بناء على نفي التعميم في الحكم، ولعل هذا هو الفارق بين أهل الكتاب وبين غيرهم. وإن شئت فسم هذا صلحا موقتا، وعقد الذمة مع أهل الكتاب صلح دائم.
وبالجملة: المهادنة والمعاهدة على ترك القتال وترك التعرض للعدو مدة معينة جائزة بلا إشكال إذا رآها الإمام مصلحة، قال الله - تعالى -: " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله. " (1) وقد صالح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قريشا عام الحديبية على ترك القتال عشر سنين. وفي كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام) لمالك الأشتر: " ولا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك ولله فيه رضا، فإن في الصلح دعة لجنودك وراحة من همومك وأمنا لبلادك. " (2) وإطلاقه يشمل غير أهل الكتاب أيضا.
وليس من شرط الهدنة أن تكون بلا عوض، فيمكن أن تكون بعوض أيضا: قال العلامة في التذكرة:
" المهادنة والموادعة والمعاهدة ألفاظ مترادفة معناها وضع القتال وترك الحرب مدة بعوض وغير عوض، وهي جائزة بالنص والإجماع. " (3) والعوض كما يصح أن يقع على الأراضي يصح أيضا أن يقع على الرقاب، لا نعني بالجزية إلا هذا. وقد مرت عبارة الخلاف في كتاب السير في هذا المعنى. غاية الأمر أن قبولها ليس بنحو اللزوم، بل يكون باختيار الإمام ويكون موقتا على