وقال المجني عليه: بل كنت ناطقا، فلم يسلم أصل السلامة فالقول قول الجاني مع يمينه، لأنه لا يتعذر إقامة البينة عليه، لأنه من الأعضاء الظاهرة، وإن سلم له السلامة في الأصل فادعى أنه أخرس حين القطع، قال قوم: القول قول المجني عليه لأن الأصل السلامة، وقال آخرون: القول قول الجاني، لأن الأصل براءة ذمته، والأول أقوى.
فإن قطع لسان ناطق فأخذت منه الدية، ثم نبت وتكلم به، فهل عليه رد الدية أم لا؟ قال قوم: يرد، وقال آخرون: لا يرد، كاختلافهم في سن المثغر، والأقوى هاهنا أنه لا يرد، لأن عود اللسان بعيد في العادة، فإذا عاد علمنا أنه هبة من الله مجددة، وليس كذلك السن لأن الظاهر في العادة أنها لا تعود، ألا ترى أن الشيخ قد تذهب أسنانه فإذا كبر فضلا تنبت أسنانه.
فأما إن جنى على لسانه فذهب كلامه واللسان صحيح بحاله، أخذنا الدية منه، فإن عاد وتكلم رد الدية لأنه لما نطق بعد أن لم ينطق، علمنا أن كلامه ما كان ذهب إذ لو كان ذاهبا ما عاد، لأن انقطاعه بالشلل، والشلل لا يزول، وليس كذلك إذا نبت لسانه لأنا نعلم أنه هبة مجددة من الله تعالى، فلهذا لم يرد الدية.
إذا خلق للسان طرفان فقطع أحدهما، فإن ذهب كل الكلام - فلهذا لم ترد الدية - ففيه كمال الدية وإن ذهب نصف الكلام ففيه نصف الدية، لأن الظاهر أن هذا هو اللسان، فإن قطع أحدهما فلم يذهب من الكلام شئ نظرت، فإن كان مخرج الطرفين سواء، لا يرجح أحدهما على الآخر أوجبنا فيه ما يخصه من الدية من كل اللسان لأن الكل لسان واحد غير أنه مشقوق، وإن كان مخرجهما مختلفا كان أحد الطرفين كان في جانب، ففيه حكومة كالإصبع الواحدة، إلا أنه لا يبلغ بهذه الحكومة بقدر قياس اللسان لأنها زيادة فلا يوجب فيها ما يوجب في الأصل.
فإن كان قطع الطرفين معا فذهب الكلام، فإن كان الطرفان سواء فلا كلام، وإن كان أحدهما في حكم الزائد أوجبت الحكومة في الزائد والدية جميعا،