كررنا القول فيه بغير خلاف بيننا، فإذا فات محله وهو الرقبة فقد سقط لا إلى بدل وانتقاله إلى المال الذي للميت أو إلى مال أوليائه حكم شرعي يحتاج مثبته إلى دليل شرعي ولن يجده أبدا، وهذه أخبار آحاد شواذ أوردها شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا لأنه رجع عن هذا القول في مسائل خلافه وأفتى بخلافه وهو الحق اليقين فقال مسألة: إذا قتل رجل رجلا ووجب القود عليه فهلك القاتل قبل أن يستقاد منه سقط القصاص إلى الدية وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يسقط القصاص لا إلى بدل، دليلنا قوله ع: لا يطل دم امرئ مسلم، فلو أسقطناه لا إلى بدل لأطللنا دمه، ولو قلنا بقول أبي حنيفة لكان قويا لأن الدية لا تثبت عندنا إلا بالتراضي بينهما وقد فات ذلك، هذا آخر كلامه رحمه الله.
ويجب على قاتل العمد أن يتوب إلى الله تعالى مما فعله، وحد التوبة أن يسلم نفسه إلى أولياء المقتول فإما أن يستقيدوا منه أو يعفوا عنه أو يقبلوا الدية أو يصالحهم على شئ يرضون به عنه ثم يعزم بعد ذلك على أن لا يعود إلى مثل ما فعل في المستقبل ويعتق بعد ذلك رقبة ويصوم شهرين متتابعين ويطعم ستين مسكينا، فإذا فعل ذلك كان تائبا على ما رواه أصحابنا هذا مع قدرته على كفارة الجمع المقدم ذكرها، فإذا لم يقدر على شئ منها أو على بعضها فعله ولا شئ عليه وصحته توبته أيضا وكان تائبا وإنما تلزم هذه الكفارة من عفي عنه أو صالح الأولياء على الدية، وأما إذا قتل فلا كفارة عليه لأن من جملتها الصوم فإذا قتل من يصوم عنه؟
وتصح توبته سواء قتل مؤمنا متعمدا على إيمانه أو الأمور الدنياوية على الصحيح من أقوال أصحابنا وهو اختيار شيخنا أبي جعفر في مبسوطه وهو الذي يقتضيه أصول مذهبنا لأن التوبة موقوفة على الجسد ما دامت الحياة والعقل فيه وقوله تعالى: إلا من تاب وآمن وعمل صالحا... الآية، وقوله: يغفر الذنوب جميعا، وقوله: غافر الذنب وقابل التوب، فأما قوله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها، فليس في ظاهرها أنه تاب ويمكن العمل بها إذا لم يتب. وقد ذهب بعض أصحابنا إلى: أنه لا تقبل توبته ولا يختار التوبة ولا يوفق للتوبة، معتمدا على أخبار آحاد والإجماع فغير منعقد حتى يرجع في هذه المسألة