ذلك يحتاج إلى دليل ولا أحد من أصحابنا ذهب إلى تقدير ذلك فمن قدره يحتاج إلى دليل، وشيخنا فقد رجع في مبسوطه عما ذكره في مسائل خلافه فقال في مبسوطه:
والذي يقتضيه مذهبنا أنه لا يقدر على ذلك بل يقسم الإمام على ما يراه من حاله من الغنى والفقر وأن يفرقه على القريب والبعيد وإن قلنا: يقدم الأولى فالأولى، كان قويا لقوله تعالى:
وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض، وذلك عام، هذا آخر كلامه رحمه الله.
والذي يتحمل العقل عن القاتل من العاقلة من كان منهم غنيا أو متحملا وأما الفقير فلا يتحمل شيئا منها ويعتبر الغنى والفقر حين المطالبة والاستيفاء وهو عند حؤول الحول ولا يعتبر ذلك قبل المطالبة لأنه يحل عند انقضاء كل حول منها ثلثها.
وقال شيخنا المفيد في مقنعته: إن العاقلة ترجع بالدية على القاتل، وهذا خلاف إجماع المسلمين قاطبة ولأنه حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي، وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: وقال بعض أصحابنا: إن العاقلة ترجع على القاتل بالدية، ولست أعرف به نصا ولا قولا لأحد.
اختلفوا في معنى تسمية أهل العقل بأنهم عاقلة.
منهم من قال: العقل اسم للدية وعبارة عنها وسمي أهل العقل عاقلة لتحملهم ذلك، يقال: عقلت عنه، إذا تحملتها عنه، و: عقلت له، إذا دفعت الدية إليه.
ومنهم من قال: إنما سميت بالعاقلة لأنها مانعة والعقل المنع، وذلك أن العشيرة كانت تمنع عن القاتل بالسيف في الجاهلية فلما جاء الاسلام منعت عنه بالمال فلهذا سميت عاقلة.
وقال أهل اللغة: العقل الشد، ولهذا يقال: عقلت البعير، إذا ثنيت ركبته وشددتها، وسمي ذلك الحبل عقالا فسمي أهل العقل عاقلة لأنها تعقل الإبل بفناء ولي المقتول والمستحق للدية، يقال: عقل يعقل عقلا فهو عاقل، وجمع العاقل عاقلة، وجمع العاقلة عواقل، والمعاقل جمع الديات، وأي هذه المعاني كان فلا يخرج أن معناه هو الذي يضمن الدية ويبذلها لولي المقتول.