أنه روي عن أبي حنيفة وأصحابه موافقتنا في الثعلب خاصة.
وروي عنهم أيضا كراهية أكل الضب، ورووا كلهم في خبر معروف رواه الأعمش وقال:
نزلنا أرضا كثيرة الضباب وأصابتنا مجاعة فطبخنا منها وإن القدر لتغلي بها إذ جاءنا رسول الله ص فقال: ما هذا؟ قلنا: ضباب أصبناها، فقال ع إن أمة من بني إسرائيل مسخت وأرانا في تلك الأرض وأنا أخشى أن يكون هذه منها فاكفؤوها، وهذا الخبر يقتضي كما تراه أن الضب مع تحريمه مسخ، وهو قول الإمامية لأنهم يعدون الضب من جملة المسوخ التي هي الفيل والأرنب والدب والعقرب والضب والعنكبوت والجري والوطواط والقرد والخنزير، ولا يزال مخالفوهم إذا سمعوا منهم ذكر هذه المسوخ التي ما اعتمدوا في أنها مسوخ إلا على الرواية تضاحكوا منهم واستهزؤوا بهم ونسبوهم إلى الغفلة وبعد الفطنة وهم يروون عن طرقهم وعن رجالهم مثل ما عجبوا منه بعينه والله المستعان.
والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد وإن شئت أن تبني هذه المسألة على مسألة تحريم صيد البازي وما أشبهه من جوارح الطير فعلت فقلت: كل من حرم صيد جوارح الطير حرم ما عددناه، والتفرقة بين الأمرين خلاف الاجماع.
فإن استدل المخالف بقوله تعالى: (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما)، وظاهر هذه الآية يقتضي أن جميع صيد البحر حلال، وكذلك صيد البر إلا على المحرم خاصة، أو استدل بما لا يزال يستدل به على أن أصل المنافع التي لا ضرر فيها عاجلا ولا آجلا على الإباحة وعلى من حظر شيئا من ذلك الدليل، فالجواب: إن قوله تعالى: (أحل لكم صيد البحر) لا يتناول ظاهره الخلاف في هذه المسألة لأن الصيد مصدر صدت وهو يجري مجرى الاصطياد الذي هو فعل الصائد وإنما يسمى الوحش وما جرى مجراه صيدا مجازا وعلى وجه الحذف لأنه محل الاصطياد فسمي باسمه، وإذا كان كلامنا في تحريم لحم الصيد فلا دلالة في إباحة الصيد، لأن الصيد غير المصيد.
فإن قيل: قوله تعالى: وطعامه متاعا لكم وللسيارة، يقتضي أنه أراد المصيد دون الصيد، لأن لفظة الطعام لا تليق إلا بما ذكرناه دون المصدر؟