وقال قوم: المعنى أن الإثم بشرب هذه والقمار بهذا أكبر وأعظم لأنهم كانوا إذا سكروا وثب بعضهم على بعض وقاتل بعضهم بعضا، قال قتادة: وإنما يدل على تحريمها الآية التي في المائدة من قوله: إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه، أخبر الله تعالى أن هذه الأشياء رجس من عمل الشيطان ثم أمرنا باجتنابها بأن قال: فاجتنبوه، أي كونوا على جانب منها أي في ناحية.
ففي الآية دلالة على تحريم الخمر وعلى تحريم هذه الأشياء من أربعة أوجه: أحدها: أنه وصفها بأنها رجس والرجس والنجس بلا خلاف محرم، الثاني: نسبها إلى عمل الشيطان وذلك لا يكون إلا محرما. الثالث: أنه تعالى أمرنا باجتنابه والأمر يقتضي الإيجاب شرعا، الرابع: أنه جعل الفوز والفلاح في اجتنابه. والهاء في قوله: فاجتنبوه، راجعة إلى عمل الشيطان.
فصل:
ثم قال تعالى: إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون، قيل: إن هل هاهنا مع ما بعدها بمنزلة الأمر أي انتهوا، وسبب نزول هذه الآية أن سعد بن أبي وقاص لاقى رجلا من الأنصار وقد كانا شربا الخمر فضربه بلحي جمل، وقيل: إنه لما نزل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى، قال رجل: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت هذه الآية.
معناه: الشيطان إنما يريد إيقاع العداوة والبغضاء بينهم بالإغراء المزين لهم ذلك حتى إذا سكروا زال عقولهم وأقدموا من المكاره والقبائح ما كانت تمنعهم منه عقولهم، وقال قتادة: كان الرجل يقامر في ماله وأهله فيقمر ويبقى حزينا سليبا فيكسبه ذلك العداوة والبغضاء.
وقوله: ويصدكم عن ذكر الله، أي يمنعكم من الذكر لله بالتعظيم والشكر على آلائه، لما في ذلك من الدعاء إلى الصلاح واستقامة الحال في الدين والدنيا. وقوله تعالى: فهل أنتم