منتهون، صيغته الاستفهام ومعناه النهي وإنما جاز ذلك لأنه إذا ظهر قبح الفعل للمخاطب صار في منزلة من نهى عنه، فإذا قيل له: أ تفعله بعد ما قد ظهر من أمره صار في محل من عقد عليه بإقراره.
فإن قيل: ما الفرق بين انتهوا عن شرب الخمر وبين لا تشربوا الخمر؟ قلنا: الفرق بينهما أنه إذا قال: انتهوا. دل ذلك على أنه مريد لأمر ينافي شرب الخمر وصيغة النهي تدل على كراهة الشرب لأنه قد ينصرف عن الشرب إلى أحد أشياء مباحة، وليس كذلك المأمور به لأنه لا ينصرف عنه إلا إلى محظور، والمنهي عنه قد ينصرف عنه إلى غير مفروض.
ثم قال: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين، لما أمر سبحانه باجتناب الخمر والميسر والأنصاب والأزلام أمر بطاعته في ذلك وفي غيره من أوامره ثم أمر بالحذر وهو امتناع القادر من الشئ لما فيه من الضرر والخوف، هو توقع الضرر الذي لا يؤمن كونه، " فإن توليتم " الوعيد " فاعلموا " أنكم قد استحققتم العذاب لتوليكم عما أدى رسولنا من البلاغ المبين.
والخمر محرمة على لسان كل نبي وفي كل كتاب نزل وأن تحريمها لم يكن متجددا، فإذا انقلبت الخمر خلا بنفسها أو بفعل آدمي إذا طرح فيها ما ينقلب به إلى الخل حلت.
ثم قال: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا و آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا، قال ابن عباس: إنه لما نزل تحريم الخمر قال الصحابة: كيف بمن مات من إخواننا وهو يشربها فأنزل الله الآية وبين أنه ليس عليهم في ذلك شئ إذا لم يكونوا عالمين بتحريمها وقد كانوا مؤمنين عاملين للصالحات ثم يتقون المعاصي وجميع ما حرم الله عليهم.
والصحيح أن معناه ليس على المؤمنين إثم ولا حرج في أكل طيبات الدنيا إذا أكلوها من الحلال، ودل على هذا المعنى بقوله: إذا ما اتقوا وآمنوا، وتكرار الاتقاء إنما حسن لأن الأول المراد به اتقاء المعاصي، الثاني الاستمرار على الاتقاء، الثالث اتقاء مظالم العباد.